وفي "الأسئلة المقحمة" : هذا سوء أدب في المخاطبة فكيف واجهه بمثله وقد احتمله والجواب لأنه عقبه بفائدة والخشونة المصاحبة لفائدة قد يحتملها الأكابر انتهى.
ثم أشار إلى أنه بصدد إقامة خدمة مهمة له كما قال :﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإ﴾ (وآمد بتو از شهر سباكه مآرب كوينيد) ﴿بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ بخبر خطير محقق لا شك فيه يشير إلى أن من شرط المخبر أن لا يخبر عن شيء إلا أن يكون متيقناً فيه سيما عند الملوك.
وسبأ منصرف على أنه اسم لحي باليمن سموا باسم أبيهم الأكبر وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قالوا : اسمه عبد الشمس لقب به لكونه أول من سبى ثم سمى مدينة مأرب بسبأ وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام وقيل : إن سبأ أول من تتوج من ملوك اليمن وكان له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة.
يعني (هار ازايشان درشام مسكن داشتند لخم وجذام وعامله وغسان وشش دريمن كنده واشعر وازد ومذحج وإنمار) قالوا : يا رسول الله وما أنمار؟ قال :"والد خثعم وبجيلة" وقال في "المفردات" : سبأ اسم مكان تفرق أهله ولهذا يقال : ذهبوا أيادي سبأ أي تفرقوا
٣٣٨
تفرق أهل ذلك المكان من كل جانب انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٦
قال بعضهم : إنما خفي نبأ بلقيس على سليمان مع قربه منها لأنه كان نازلاً بصنعاء وهي بمأرب وبينهما مسيرة ثلاثة أيام كما سبق آنفاً أو ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال لمصلحة رآها الله تعالى كما خفي على يعقوب مكان يوسف.
كهى بر طارم أعلى نشينم
كهى برشت اي خود نبينم
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٦
﴿إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ﴾ استئناف لبيان ما جاء به من النبأ وإيثار وجدت على رأيت لأنه أراه عليه السلام كونه عند غيبته بصدد خدمته بإبراز نفسه في معرف من يتفقد أحوال تلك المرأة كأنها ضالة ليعرضها على سليمان والضمير في تملكهم لسبأ على أنه اسم للحي أو لأهل المدلول عليهم بذكر مدينتهم على أنه اسم لها.
يعني أنها تملك الولاية والتصرف عليهم ولم يرد به ملك الرقبة والمراد بها بلقيس بنت شرحبيل بن مالك بن ريان من نسل يعرب بن قحطان وكان أبوها ملك أرض اليمن كلها ورث الملك من أربعين أباً ولم يكن له ولد غيرها فغلبت بعده على الملك ودانت لها الأمة وكانت هي وقومها يعبدون النار وكان يقول أبوها لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤاً وأبى أن يتزوج منهم فزوجوه امرأة من الجن يقال لها : قارعة أو ريحانة بنت السكن فولدت له بلقيس وتسمى بلقة وبلقيس بالكسر كما في "القاموس" : وهذا يدل على إمكان العلوق بين الإنسي والجني وذلك فإن الجن وإن كانوا من النار لكنهم ليسوا بباقين على عنصرهم الناري كالإنس ليسوا بباقين على عنصرهم الترابي فيمكن أن يحصل الازدواج بينهما على ما حقق في "آكام المرجان" روي : أن مروان الحمار أمر بتخريب تدمر كتنصر بلد بالشام فوجدوا فيها بيتاً فيه امرأة قائمة ميتة أمسكوها بالصبر أحسن من الشمس قامتها سبعة أذرع وعنقها ذراع عندها لوح فيه أنا بلقيس صاحبة سليمان بن داود خرب الله ملك من يخرب بيتي.
﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ﴾ أي من الأشياء التي يحتاج إليها الملوك من الخيل والحشم والعدد والسياسة والهيبة والحشمة والمال والنعيم.
قال بعض العارفين : ما ذكر وصف جمالها وحسنها بالتصريح لأنه علم أن ذلك من سوء الأدب وفي الحديث :"إن أحسن الحسن الوجه الحسن والصوت الحسن والخلق الحسن".
قال ذو النون : من استأنس بالله استأنس بكل شيء مليح وذلك لأن حسن كل مستحسن صدر من معدن حسن الأزل وأما من لم يستأنس بالله فاستئناسه بالمليح على وجه مجازي.
﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ أي : بالنسبة إلى حالها أو إلى عروش أمثالها من الملوك والعرش في الأصل شيء مسقف ويراد به سرير كبير وكان عرش بلقيس ثمانين ذراعاً في ثمانين ذراعاً وطوله في الهواء ثمانين ذراعاً مقدمة من ذهب مفصص بالياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ومؤخره من فضة مكلل بأنواع الجواهر له أربع قوائم قائمة من ياقوت أحمر وقائمة من ياقوت أخضر وقائمة من زبرجد وقائمة من در وصفائح السرير من ذهب وعليه سبعة أبيات لكل بيت باب مغلق وكان عليه من الفرش ما يليق به.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٩
﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي يعبدونها متجاوزين عبادة الله تعالى :﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ أَعْمَـالَهُمْ﴾ أي : حسن لهم أعمالهم القبيحة التي هي عبادة الشمس ونظائرها من أصناف الكفر
٣٣٩
والمعاصي.
﴿فَصَدَّهُمْ﴾ منعهم بسبب ذلك.
﴿عَنِ السَّبِيلِ﴾ أي سبيل الحق والصواب والسبيل من الطريق ما هو معتاد السلوك.
﴿فَهُمْ﴾ بسبب ذلك ﴿لا يَهْتَدُونَ﴾ إليه.


الصفحة التالية
Icon