وفي "الإرشاد" : وجمع الضمير لما أن مضمون الكتاب الكريم دعوة الكل إلى الإسلام.
قوله : ألقه بسكون الهاء تخفيفاً لغة صحيحة أو على نية الوقف، يعني أن أصله ألقه بكسر القاف والهاء على أنه ضمير مفعول راجع إلى الكتاب فجزم لما ذكر.
﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي أعرض عنهم بترك وليهم وقربهم وتبعد إلى مكان تتوارى فيه وتسمع ما يجيبونه ﴿فَانظُرْ﴾ تأمل وتعرف ﴿مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ أي ماذا يرجع بعضهم إلى بعض من القول :(وسخن را بره قرار ميدهند).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٠
قال ابن الشيخ : ماذا اسم واحد استفهام منصوب بيرجعون أو مبتدأ وذا بمعنى الذي ويرجعون صلتها والعائد محذوف أي أي شيء الذي يرجعونه.
روي : أن الهدهد أخذ الكتاب وأتى بلقيس فوجدها راقدة في قصرها بمأرب وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها فدخل من كوة وألقى الكتاب على نحرها وهي مستلقية وتأخر يسيراً فانتبهت فزعة وكانت قارئة كاتبة عربية من نسل تبع الحميري فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت لأن ملك سليمان كان في خاتمه وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكاً منها لطاعة الطير إياه وهيئة الخاتم فعند ذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٠
﴿قَالَتْ﴾ لأشراف قومها وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو اثنا عشر ألفاً يا اأَيُّهَا الْمَلَؤُا} (أي كروه اشراف).
والملأ عظماء القوم الذين يملؤون العيون مهابة والقلوب جلالة جمعه أملاء كنبأ وأنباء ﴿إِنِّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَـابٌ كَرِيمٌ﴾ مكرم على معظم لدي لكونه مختوماً بخاتم عجيب وأصلاً على نهج غير معتاد كما قال في "الأسئلة المقحمة" : معجزة سليمان كانت في خاتمه فختم الكتاب بالخاتم الذي فيه ملكه فأوقع الرعب في قلبها حتى شهدت بكرم كتابه إظهاراً لمعجزته انتهى.
ويدل على أن الكريم هنا بمعنى المختوم قوله عليه السلام :"كرم الكتاب ختمه" وعن ابن عباس بزيادة وهو قوله تعالى :
٣٤١
﴿إِنِّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَـابٌ كَرِيمٌ﴾ كما في "المقاصد الحسنة" للسخاوي.
وكان عليه السلام "يكتب إلى العجم فقيل : إنهم لا يقبلون إلا كتاباً عليه خاتم فاتخذ لنفسه خاتماً من فضة ونقش فيه محمد رسول الله وجعله في خنصر يده اليسرى" على ما رواه أنس رضي الله عنه.
ويقال : كل كتاب لا يكون مختوماً فهو مغلوب.
وفي "تفسير الجلالين" : كريم أي حسن ما فيه انتهى كما قال ابن الشيخ في أوائل سورة الشعراء : كتاب كريم أي مرضي في لفظه ومعانيه أو كريم شريف لأنه صدر بالبسملة كما قال بعضهم :(ون مضمون نامه نام خداوند بوده س آن نامه بزر كترين وشريفترين همه نامها باشد).
أي نام وبهترين سر آغاز
بي نام تونامه ون كنم باز
آرايش نامها ست نامت
آسايش سينها كلام
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الكتاب لما كان سبباً لهدايتها وحصول إيمانها سمته كريماً لأنها بكرامته اهتدت إلى حضرة الكريم.
قال بعضهم : لاحترامها الكتاب رزقت الهداية حتى آمنت كالسحرة لما قدموا في قولهم : يا موسى إما أن تلقي وراعوا الأدب رزقوا الإيمان ولما مزق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم مزق الله ملكه وجازاه على كفره وعناده.
﴿إِنَّه مِن سُلَيْمَـانَ﴾ كأنه قيل : ممن هو وماذا مضمونه؟ فقالت : إنه من سليمان ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي مضمونه أو المكتوب فيه﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ﴾ الباء بقاؤه والسين سناؤه والميم ملكه والألف أحديته واللامان جماله وجلاله والهاء هويته والرحمان إشارة إلى رحمته لأهل العموم في الدنيا والآخرة والرحيم إشارة إلى رحمته لأهل الخصوص في الآخرة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤١
قال بعض الكبار : إنها بسملة براءة في الحقيقة ولكن لما وقع التبري من أهلها أعطيت للبهائم التي آمنت بسليمان واكتفى في أول السورة بالباء إذ كل شيء في الوجود الكوني لا يخلو من رحمة الله عامة أو خاصة وهذه البسملة ليست بآية تامة مثل :﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْاراـاهَا وَمُرْسَـاـاهَآ﴾ (هود : ٤١) بخلاف ما وقع في أوائل السور فإنها آية منفردة نزلت مائة وأربع عشرة مرة عدد السور (هرحر في ازين آيت ظرفى است شراب رحيق را وهر كملتي صدفي است دره تحقيق را هر نقطه زوكوكبي است آسمان هدايترا ونجم رجمي است مر أصحاب غوايت را) : قال المولى الجامي في حق البسملة :
نوزده حرفست كه هده هزار
عالم ازو يافته فيض عميم
﴿أَنْ﴾ مفسرة أي :﴿لا تَعْلُوا عَلَى﴾ لا تتكبروا كما يفعل جبابرة الملوك.
وبالفارسية :(بر من بزركى مكنيد) ﴿وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ﴾ حال كونكم مؤمنين فإن الإيمان لا يستلزم الإسلام والانقياد دون العكس.