وقال ابن عطاء رحمه الله : إذا ظهر سلطان الحق وتعظيمه في القلب تلاشى الغفلات واستولت عليه الهيبة والإجلال ولا يبقى فيه تعظيم شيء سوى الحق فلا تشتغل جوارحه إلا بطاعته ولسانه إلا بذكره وقلبه إلا بالإقبال عليه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٣
قال بعضهم : من قوبل باسمه الملك رأى نفسه في قبضته فسلم له في مملكته وقام بحق حرمته على بساط خدمته.
وفي "الفتوحات المكية" : للملك أن يعفو عن كل شيء إلا عن ثلاثة أشياء وهي التعرض للحرم وإفشاء سره والقدح في الملك نسأل الله حسن الأدب في طريق الطلب.
﴿وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم﴾ إلى سليمان وقومه رسلاً ﴿بِهَدِيَّةٍ﴾ عظيمة وهي اسم للشيء المهدي بملاطفة ورفق.
قال في "المفردات" : الهدية مختصة باللطف الذي يهدى بعضنا إلى بعض ﴿فَنَاظِرَةُ﴾.
قال في "كشف الأسرار" : الناظر ههنا بمعنى المنتظر.
وقال الكاشفي :(س نكرنده أم كه از آنجا) ﴿بِمَ﴾ أصله بما على أنه استفهام أي بأي شيء ﴿يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ بالجواب من عنده حتى أعمل بما يقتضيه الحال.
روي : أنها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن كالأساور والأطواق والقرطة مخضبي الأيدي راكبي خيل مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر وخمسمائة جارية على رماك في زيّ الغلمان وألف لبنة من ذهب وفضة وفي "المثنوي" :
هديه بلقيس هل اشتر بدست
بار آنها جمله خشت زر بدست
وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت المرتفع قيمة والمسك والعنبر وحقة فيها درة ثمينة عذراء أي غير مثقوبة وخرزة جزعية معوجة الثقب وكتبت كتاباً فيه نسخة الهدايا وبعثت بالهدية رجلاً بالأشراف قومها يقال له : المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالاً من قومها ذوي رأي وعقل وقالت : إن كان نبياً ميز بين الغلمان والجواري وأخبر بما في الحقة قبل فتحها وثقب الدرة ثقباً مستوياً وسلك في الخرزة خيطاً ثم قالت للمنذر : إن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك منظره وإن رأيته هشاً لطيفاً فهو نبي فأقبل الهدهد نحو سليمان مسرعاً فأخبره الخبر فأمر سليمان الجن فضربوا لبن الذهب والفضة وفرشوها في ميدان بين يديه طوله ستة فراسخ وجعلوا حول الميدان حائطاً شرفاته من الذهب والفضة (عني كرد ميدان ديوار برآوردند
٣٤٤
وبر سر ديوار شرف زرين وسيمين بستند) وأمر بأحسن الدواب التي في البر والبحر.
قال في "كشف الأسرار" :(هار ايان بحري بنقش بلنك از رنكهاي مختلف آوردند) فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبن وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا على اليمين واليسار ثم قعد على سريره والكراسي من جانبيه.
يعني (هار هزار كرسي زر ازراست وي وهارهزار ازب وي نهاده) واصطفت الشياطين صفوفاً فراسخ والإنس صفوفاً والوحش والسباع والهوام كذلك (ومرغان در روى هوا رده بافتند باصد هزار ديده فلك درهزار قرن مجلس بدان تكلف وخوبى نديده بود) فلما دنا رسل بلقيس نظروا وبهتوا ورأوا الدواب تروث على اللبن.
وفي "المثنوي" :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٣
ون بصحراي سليمان رسيد
فرش آنرا جمله زر بته ديد
بارها كفتند زررا وابريم
سوى مخزن ما به كار اندريم
عرصه كش خاك زر ده دهيست
زر بهديه بردن رنجا ابلهيست
فكان حالهم كحال أعرابي أهدى إلى خليفة بغداد جرة ماء فلما رأى دجلة خجل وصبه :
باز كفتند اركساد وارروا
يست برما بنده فرمانيم ما
كر زر وكرخاك مارا بردنيست
أمر فرمانده بجا آوردنيست
كر بفرمايدكه كين واس بريد
هم بفرمان تحفه را باز آوريد
وجعلوا يمرون بكراديس الجن والشياطين فيفزعون وكانت الشياطين يقولون : جوزوا ولا تخافوا فلما وقفوا بين يدي سليمان نظر إليهم بوجه حسن طلق وقال : ما وراءكم : يعني (ه داريد وبه آمديد) فأخبر المنذر الخبر وأعطى كتاب بلقيس فنظر فيه فقال أين الحقة؟ فجيء بها فقال : إن فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة جزعية معوجة الثقب وذلك بإخبار جبريل عليه السلام ويحتمل أن يكون بإخبار الهدهد على ما يدل عليه سوق القصة (سليمان جن وأنس را حاضر كرد وعلم ثقب وسلك نزديك إيشان نبود شياطين را حاضر كرد واز إيشان رسيدكفتند) ترسل إلى الأرضة فجاءت الأرضة فأخذت شعرة في فيها فدخلت في الدرة وثقبتها حتى خرجت من الجانب الآخر فقال سليمان : ما حاجتك؟ فقالت : تصير رزقي في الشجر قال : لك ذلك ثم قال : من لهذه الخرزة يسلكها الخيط؟ فقالت دودة بيضاء : أنا لها يا أمين الله فأخذت الخيط في فيها ونفذت في الخرزة حتى خرجت من الجانب الآخر فقال سليمان : ما حاجتك؟ قالت : تجعل رزقي في الفواكه قال : لك ذلك أي جعل رزقها فيها فجمع سليمان بين طرفي الخيط وختمه ودفعها إليهم.