قال الكاشفي :(سليمان آب طلبيد غلمان وجواري را فرمودكه از غبارراه روى بشوييد) يعني ميز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم بغسل وجوههم وأيديهم فكانت الجارية تأخذ الماء بإحدى يديها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كان يأخذه من الآنية ويضرب به وجهه ثم رد الهدية وقد كانت بلقيس قالت : إن كان ملكاً أخذ الهدية وانصرف وإن كان نبياً لم يأخذها ولم نأمنه على بلادنا وذلك قوله تعالى.
﴿فَلَمَّا جَآءَ﴾ أي : الرسول المبعوث من قبل بلقيس ﴿سُلَيْمَـانُ﴾ بالهدية ﴿قَالَ﴾ أي مخاطباً
٣٤٥
للرسول والمرسل تغليباً للحاضر على الغائب أي قال بعد ما جرى بينه وبينهم من قصة الحقة وغيرها لا أنه خاطبهم به أول ما جاؤوه كما يفهم من ظاهر العبارة ﴿أَتُمِدُّونَنِ﴾ أصله أتمودنني فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة الدالة عليها والهمزة الاستفهامية للإنكار.
والإمداد (مدد كردن) ويعدى إلى المفعول الثاني بالباء.
والمعنى بالفارسية (آيا مدد ميدهيد مرا وزيادتي) ﴿بِمَالٍ﴾ حقير وسمي مالاً لكونه مائلاً أبداً ونائلاً ولذلك يسمى عرضاً وعلى هذا دل من قال : المال قحبة يكون يوماً في بيت عطار ويوماً يكون في بيت بيطار كما في "المفردات" : ثم علل هذا الإنكار بقوله :﴿فَمَآ﴾ موصولة ﴿اللَّهُ خَيْرٌ﴾ مما رأيتم آثاره من النبوة والملك الذي لا غاية وراءه ﴿خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَـاـاكُم﴾ من المال ومتاع الدنيا فلاحاجة إلى هديتكم ولا وقع لها عندي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٣
آنكه رواز كندجانب علوي وهماي
دنيي اندر نطر همت أو مردارست
وفي "المثنوي" :
من سليمان من نخواهم ملكتان
بلكه من برهان ازهر هلكتاناز شماكي كديه زره ميكنيم
كه برون از آب وكل بس ملكهاست
تخته بنداست آنكه تختش خوانده
صدرنداري وبر درمانده
قال جعفر الصادق : الدنيا أصغر قدراً عند الله وعند أنبيائه وأوليائه من أن يفرحوا بشيء منها أو يحزنوا عليه فلا ينبغي لعالم ولا لعاقل أن يفرح بعرض الدنيا.
مال دنيا دام مرغان ضعيف
ملك عقبى دام مرغان شريف ﴿بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ المضاف إليه المهدى إليه.
والمعنى بل أنتم بما يهدى إليكم تفرحون حباً لزيادة المال لما إنكم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا هذا هو المعنى المناسب لما سرد من القصة.
وفي "الإرشاد" : إضراب عما ذكر من إنكار الإمداد بالمال إلى التوبيخ بفرحهم بهديتهم التي أهدوها إليه افتخاراً وامتناناً واعتداداً بها كما ينبىء عنه ما ذكر من حديث الحقة والجزعة وتغيير زي الغلمان والجواري وغير ذلك انتهى.
يقول الفقير : فيه إنهم لما رأوا ما أنعم الله به على سليمان من الملك الكبير استقلوا بما عندهم حتى هموا بطرح اللبنات إلا أنه منعتهم الأمانة من ذلك فكيف امتنوا على سليمان بهديتهم وافتخروا على أن حديث الحقة ونحوه إنما كان على وجه الامتحان لا بطريق الهدية كما عرف.
وفي "التأويلات" : يشير إلى أن الهدية موجبة لاستمالة القلوب ولكن أهل الدين لما عارضهم أمر ديني في مقابلة منافع كثيرة دنيوية رجحوا طرف الدين على طرف المنافع الكثيرة الدنيوية واستقلوا كثرتها لأنها فانية واستكثروا قليلاً من أمور الدين لأنها باقية كما فعل سليمان لما جاءه الرسول بالهدية استقل كثرتها وقال : فما آتاني الله من كمالات الدين والقربات والدرجات الأخروية خير مما آتاكم من الدنيا وزخارفها بل أنتم أي أمثالكم من أهل الدنيا بمثل هديتكم الدنيوية الفانية تفرحون لخسة نفوسكم وجهلكم عن السعادات الأخروية الباقية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٣
﴿ارْجِعْ﴾ أيها الرسول أفرد الضمير ههنا بعد جمع الضمائر الخمسة فيما سبق لأن الرجوع مختص بالرسول والأمداد ونحوه عام.
٣٤٦
﴿إِلَيْهِم﴾ إلى بلقيس وقومها بهديتهم ليعلموا أن أهل الدين لا ينخدعون بحطام الدنيا وإنما يريدون الإسلام فليأتوا مسلمين مؤمنين وإلا ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ﴾ من الجن والإنس والتأييد الإلهي.
﴿لا قِبَلَ لَهُم بِهَا﴾ لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها.