﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ ولا تبال بمعاداتهم والتوكل التبتل إلى الله وتفويض الأمر إليه والإعراض عن التشبث بما سواه وأيضاً هو سكون القلب إلى الله وطمأنينة الجوارح عند ظهور الهائل وعلل التوكل أولاً بقوله :﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ (يعني راه توراست وكار تودرست) وصاحب الحق حقيق بالوثوب بحفظ الله ونصره وثانياً بقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٩
﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ فإن كونهم كالموتى موجب لقطع الطمع في مشايعتهم ومعاضدتهم رأساً وداءً إلى تخصيص الاعتقاد به تعالى وهو المعني بالتوكل عليه وإطلاق الأسماع على المعقول لبيان عدم سماعهم لشيء من المسموعات وإنما شبهوا بالموتى لعدم انتفاعهم بما يتلى عليه من الآيات والمراد المطبوعون على قلوبهم فلا يخرج ما فيها من الكفر ولا يدخل ما لم يكن فيها من الإيمان.
فإن قلت بعد تشبيه أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالعمي والصم كما يأتي مزيد فائدة.
قلت : المراد كما أشير إليه بقوله على قلوبهم تشبيه القلوب
٣٦٩
لا تشبيه النفوس فإن الإنسان إنما يكون في حكم الموتى بممات قلبه بالكفر والنفاق وحب الدنيا ونحوها.
فحاصل المعنى بالفارسية :(مرده دلان كفر فهم سخن تو نمي توانند كرد).
قال يحيى بن معاذ رحمه الله : العارفون بالله أحياء وما سواهم موتى وذلك لأن حياة الروح إنما هي بالمعرفة الحقيقية.
قال في "كشف الأسرار" :(زندكاني بحقيقت سه يزست وهردل كه ازان سه يز خالي بود درشمارموتى است.
زندكاني بيم باعمل.
وزندكاني ايمد باعلم.
وزندكاني دوستي باعلم.
زندكاني بيم دامن مرد اك دار دوشم وي بيدار وراه وي راست.
زندكاني اميد مركب وي تيزدارد وزاد تمام وراه نزديك.
زندكاني دوستي قدر مردم بزرك دارد وسروى آزاد ودل شاد.
بيم بي علم بيم خارجيا نست.
اميد بي علم اميد مرجيانست.
دوستي بيعلم أبا حيانست هركرا أين سه خصلت باعلم درهم يوست بزندكي اك رسيد وازمردكي بارزرست) ﴿وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ﴾ أي : الدعوة إلى أمر من الأمور جمع أصم والصمم فقدان حاسة السمع وبه شبه من لا يصغي إلى الحق ولا يقبله كما شبه ههنا.
وفي "التأويلات النجمية" : ولا تسمع الصم الذين أصمهم الله بحب الشهوات فإن حبك الشيء يعمي ويصم أي يعمي عن طريق الرشد ويصم عن استماع الحق.
﴿إِذَا وَلَّوْا﴾ ولى أعرض وترك قربه ﴿مُدْبِرِينَ﴾ أي إذا انصرفوا حال كونهم معرضين عن الحق تاركين ذلك وراء ظهرهم يقال : أدبر أعرض وولى دبره وتقييد النفي بإذا لتكميل التشبيه وتأكيد النفي فإن أسماعهم في هذه الحالة أبعد أي أن الأصم لا يسمع الدعاء مع كون الداعي بمقابلة صماخه قريباً منه فكيف إذا كان خلفه بعيداً منه ثم شبههم بالعمي بقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٩
﴿وَمَآ أَنتَ بِهَـادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَـالَتِهِمْ﴾ هداية موصلة إلى المطلوب فإن الاهتداء لا يحصل إلا بالبصر فشبه من افتقد البصيرة بمن افتقد البصر في عدم الهداية.
قال في "المفردات" : لم يعد تعالى افتقاد البصر في جانب افتقاد البصيرة عمي حتى قال : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴿إِن تُسْمِعُ﴾ أي ما تسمع سماعاً نافعاً للسامع ﴿وَمَآ أَنتَ بِهَـادِى الْعُمْىِ﴾ من هو في علم الله كذلك، أي من شأنه الإيمان بها ولما كان طريق الهداية هو إسماع الآيات التنزيلية قال : إن تسمع دون أن تهدي مع قرب ذكر الهداية ﴿فَهُم مُّسْلِمُونَ﴾ تعليل لإيمانهم بها كأنه قيل منقادون للحق.
وبالفارسية (س إياشن كردن نهند كانند فرمانرا ومخلصان ومتخصصان عالم إيقانند).
كوش باطن نهاده بر قرآن
ديده دل كشاده برعرفان
زنده ازنفحهاي كلشن قدس
معتكف در قضاي عالم انس
برده اند از مضائق لاشيء
به "قل الله ثم ذرهم" ي
فالأصل هو العناية الأزلية وما سبق في علم الله من السعادة الأبدية.
روي : أن النبي عليه السلام قام على منبره فقبض كفه اليمنى فقال :"كتاب كتب الله فيه أهل الجنة بأسمائهم وأنسابهم مجمل عليهم لا يزاد فيه ولا ينقص منه وليعملن أهل السعادة بعمل أهل الشقاء
٣٧٠
حتى يقال كأنهم منهم بل هم هم ثم يستنقذهم الله قبل الموت ولو بفواق ناقة" وهو بضم الفاء وتخفيف الواو آخره قاف.