طرق التقلب في أمور المعاش فبولغ فيه حيث جعل الإبصار الذي هو حال الناس حالاً له ووصفاً من أوصافه التي جعل عليها بحيث لا ينفك عنها ولم يسلك في الليل هذا المسلك لما أن تأثير ظلام الليل في السكون ليس بمثابة تأثير ضوء النهار في الأبصار.
﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ أي في جعلهما كما وصفا.
﴿لايَاتٍ﴾ عظيمة كثيرة ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ دالة على صحة البعث وصدق الآيات الناطقة به دلالة واضحة كيف لا وإن من تأمل في تعاقب الليل والنهار وشاهد في الآفاق تبدل ظلمة الليل الحاكية الموت بضياء النهار المضاهي الحياة وعاين في نفسه تبدل النوم الذي هو أخو الموت بالانتباه الذي هو مثل الحياة قضى بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور قضاء متقناً وجزم بأنه قد جعل هذا أنموذجاً له ودليلاً يستدل به على تحققه وإن الآيات الناطقة بكون حال الليل والنهار برهاناً عليه وسائر الآيات كلها حق نازل من عند الله تعالى.
قال حكيم : الدهر مقسوم بين حياة ووفاة فالحياة اليقظة والوفاة النوم، وقد أفلح من أدخل في حياته من وفاته.
وفيه إشارة إلى أن النهار وامتداده أفضل من الليل وامتداده إلا لمن جعل الليل للمناجاة.
حكي : أن محمد بن النضر الحارثي ترك النوم قبل موته بسنين إلا القيلولة ثم ترك القيلولة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٣
قال الشيخ سعدي :(طريق درويشان ذكر است وشكر وخدمت وطاعت وإيثار وقناعت وتوحيد وتوكل وتسليم وتحمل هركه بدين صفتها موصوفست بحقيقت درويش است أكره درقباست نه در خرقه أما هرزه كوى وبي نماز وهوا رست وهوس بازكه روزها بشب آرد دربند شهوت وشبها بروز كند درخواب غفلت بخورد هره درميان آمد وبكويد هرنه بزبان آيد رندست أكره درعباست) :
أي درونت برهنه ازتقوى
وزبرون جامه ريا داري
رده هفت رنك در بكذار
توكه درخانه بوريا داري
قال الإمام القشيري : كان رجل له تلميذان اختلفا فيما بينهما فقال أحدهما : النوم خير لأن الإنسان لا يعصي في تلك الحالة وقال الآخر : اليقظة خير لأنه يعرف الله في تلك الحالة فتحاكما إلى ذلك الشيخ فقال : أما أنت الذي قلت بتفضيل النوم فالموت خير لك من الحياة وأما أنت الذي قلت يتفضيل اليقظة فالحياة خير لك.
وفيه إشارة إلى أن طول الحياة واليقظة محبوبان لتحصيل معرفة الله تعالى وحسن القيام لطاعته فإنه لا ثواب بعد الموت ولا ترقي إلا لأهل الخير ولمن كان في الطير.
فعلى العاقل أن يجد في طريق الوصول ليكون من أهل الوصال والحصول ويتخلص من العذاب مطلقاً فإن غاية العمر الموت ونهاية الموت الحشر ونتيجة الحشر إما السوق إلى الجنة وإما السوق إلى النار والمسوق إلى النار إما مؤمن عاص فعذابه التأديب والتطهير وإما كافر مكذب فعذابه عذاب القطيعة والتحقير والمؤمنون يتفاوتون في الدنيا في عقوباتهم على مقادير جرائمهم فمنهم من يعذب ويطلق ومنهم من يعذب ويحبس مدة على قدر ذنبه ومنهم من يحد والحدود مختلفة فمنهم من يقتل وليس بعجب أن لا يسوى بين أهل النار إلا من لا خير فيه وهم الكفار الذين ليسوا بموضع الرحمة لأن الله تعالى رحمهم في الدنيا بإرسال الرسل وإنزال الكتب فاختاروا الغضب بسلوك طريق التكذيب والعناد فهم على السوية في عذاب الفرقة
٣٧٤
إذ ليس لهم وصلة أصلاً لا في الدنيا ولا في العقبى لأن من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى نسأل الله أن يفتح عيون بصائرنا عن منام الغفلات ويجعلنا من المكاشفين المشاهدين المعاينين في جميع الحالات إنه قاضي الحاجات ومعطي المرادات.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٣


الصفحة التالية
Icon