﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ﴾ النفخ نفخ الريح في الشيء ونفخ بفمه أخرج منه الريح.
والصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام للموت وللحشر فكأن أصحاب الجيوش من ذلك أخذوا البوقات لحشر الجند وفي الحديث :"لما فرغ الله من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص بصره إلى العرش متى يؤمر" قال الراوي أبو هريرة رضي الله عنه قلت : يا رسول الله ما الصور؟ قال :"القرن" قلت : كيف هو؟ قال :"عظيم والذي نفسي بيده إن أعظم دارة فيه كعرض السماء والأرض فيؤمر بالنفخ فيه فينفخ نفخة لا يبقى عندها في الحياة أحد إلا من شاء الله وذلك قوله تعالى :﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ﴾ (الزمر : ٦٨) إلى قوله :﴿إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ﴾ (الزمر : ٦٨) ثم يؤخر بأخرى فينفخ نفخة لا يبقى معها ميت إلا بعث وقام وذلك قوله تعالى ونفخ فيه أخرى" الآية وقد سبق بعض ما يتعلق بالمقام في سورة الكهف والمراد بالنفخ ههنا هي النفخة الثانية.
والمعنى واذكر يا محمد لقومك يوم ينفخ في الصور نفخة ثانية يعني ينفخها إسرافيل يوم القيامة لرد الأرواح إلى أجسادها.
﴿فَفَزِعَ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَن فِى الأرْضِ﴾ أي : فيفزع ويخاف والتعبير بالماضي للدلالة على وقوعه لأن المستقبل من فعل الله تعالى متيقن الوقوع كتيقن الماضي من غيره لأن إخباره تعالى حق.
والفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخوف ولا يقال : فزعت من الله كما يقال : خفت منه والمراد بالفزع هنا ما يعتري الكل مؤمناً وكافراً عند البعث والنشور بمشاهدة الأمور الهائلة الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق من الرعب والتهيب الضروريين الجبليين ﴿إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ﴾ أي : أن لا يفزع بأن يثبت قلبه وهم الأنبياء والأولياء والشهداء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والملائكة الأربعة وحملة العرش والخزنة والحور ونحوهم وإن أريد صعقة الفزع يسقط الكل إلا من استثنى نحو إدريس عليه السلام كما في "التيسير" وموسى عليه السلام لأنه صعق في الطور فلا يصعق مرة أخرى.
﴿وَكُلٌّ﴾ أي : جميع الخلائق ﴿أَتَوْهُ﴾ تعالى أي حضروا الموقف بين يدي رب العزة للسؤال والجواب والمناقشة والحساب.
﴿دَاخِرِينَ﴾ أذلاء.
وبالفارسية :(خوارد شدكان) يقال : ادخرته فدخر أي أزللته فذل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٣
﴿وَتَرَى الْجِبَالَ﴾ عطف على ينفخ داخل معه في حكم التذكير أي تراها يومئذ حال كونك ﴿تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾ تظنها ثابتة في أماكنها من جمد الماء وكل سائل قام وثبت ضد ذاب.
﴿وَهِىَ﴾ والحال أن تلك الجبال.
﴿تَمُرُّ﴾ وتمضي ﴿مَرَّ السَّحَابِ﴾ أي تراها رأي العين ساكنة والحال أنها تمر مثل مر السحاب التي تسيرها الرياح سيراً سريعاً وذلك لأن كل شيء عظيم وكل جمع كثير يقصر عنه البصر ولا يحيط به لكثرته وعظمته فهو في حسبان الناظر واقف وهو يسير وهذا أيضاً مما يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق فإن الله تعالى يبدل الأرض غير الأرض ويغير هيئتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة ليشاهدها أهل المحشر وهي وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى فتسييرها وتسوية الأرض
٣٧٥
إنما يكونان بعد النفخة الثانية كما نطق به قوله تعالى :﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الارْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَـاهُمْ﴾ فإن صيغة الماضي في المعطوف مع كون المعطوف عليه مستقبلاً للدلالة على تقدم الحشر على التسيير والرؤية كأنه قيل وحشرنا قبل ذلك.
قال جعفر الخلدي : حضر الجنيد مجلس سماع مع أصحابه وإخوانه فانبسطوا وتحركوا وبقي الجنيد على حاله لم يؤثر فيه فقال له أصحابه : ألا تنبسط كما انبسط إخوانك فقال الجنيد : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب قال بعضهم : وكثير من الناس اليوم من أصحاب التمكين ساكنون بنفوسهم سائحون في الملكوت بأسرارهم (محققي فرموده كه أوليا نيز درميان خلق برحد رسوم واقفند وخلق آن حركات بواطن إيشان كه بيكدم هزار عالم طي ميكنند خبر ندارند).
تومبين اين ايهارا بر زمين
زآنكه بردل ميرود عاشق يقين
ازره ومنزل زكوتاه ودراز
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٥
دل ه داند كوست مست دلنواز
آإن دراز وكوته أوصاف تنست
رفتن أرواح ديكر رفتن است
دست ني واي ني سرتا قدم
إننانكه تاخت جانها از قدم
قال ابن عطاء : الإيمان ثابت في قلب العبد كالجبال الرواسي وأنواره تخرق الحجاب الأعلى.
وقال جعفر الصادق : ترى الأنفس جامدة عند خروج الروح والروح تسري في القدس لتأوي إلى مكانها من تحت العرش.
﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾ الصنع إجادة العقل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعاً ولا ينسب إلى الحيوانات كما ينسب إليها الفعل كما في "المفردات" وهو مصدر مؤكد لمضمون ما قبله أي صنع الله ذلك صنعاً وفعله على أنه عبارة عما ذكر من النفخ في الصور وما ترتب عليه جميعاً ﴿الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ﴾.