قال في "المختار" في تقن صنع الله الذي أتقن إتقان الشيء إحكامه.
والمعنى أحكم خلقه وسواه على ما ينبغي.
وبالفارسية (استوار كرد همه يزهارا وبيارست بروجهي كه شايد).
قال في الإرشاد : قصد به التنبيه على عظم شأن تلك الأفاعل وتهويل أمرها والإيذان بأنها ليست بطريق إخلال نظام العالم وإفساد أحوال الكائنات بالكلية من غير أن تدعو إليها داعية ويكون لها عاقبة بل هي من قبيل بدائع صنع الله المبنية على أساس الحكمة المستتبعة للغايات الجميلة التي لأجلها رتبت مقدمات الخلق ومبادىء الإبداع على الوجه المتين والمنهج الرصين.
﴿إِنَّه خَبِيرُا بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ عالم بظواهر أفعالكم وبواطنها أيها المكلفون ولذا فعل ما فعل من النفخ والبعث ليجازيكم على أعمالكم كما قال :
﴿مِّنَ﴾ (هركه ازشما) ﴿جَآءَ﴾ (بيايد) ﴿بِالْحَسَنَةِ﴾ بكلمة الشهادة والإخلاص فإنها الحسنة المطلقة وأحسن الحسنات ﴿فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ نفع وثواب حاصل من جهتها ولأجلها وهو الجنة فخير اسم من غير تفضيل إذ ليس شيء خيراً من قول : لا إله إلا الله ويجوز أن يكون صيغة تفضيل إن أريد بالحسنة غير هذه الكلمة من الطاعات فالمعنى إذا فعله من الجزاء ما هو خير منها إذا ثبت له الشريف بالخسيس والباقي بالفاني وعشرة بل سبعمائة بواحد.
﴿وَهُم﴾ أي : الذين جاؤوا بالحسنات ﴿مِّن فَزَعٍ﴾ أي عظيم هائل لا يقادر قدره وهو الفزع الحاصل من مشاهدة العذاب بعد تمام المحاسبة وظهور الحسنات والسيئات وهو الذي في قوله تعالى :
٣٧٦
﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاكْبَرُ﴾ (الأنبياء : ١٠٣).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٥
وعن الحسن حين يؤمر بالعبد إلى النار.
وقال ابن جريج : حين يذبح الموت وينادي : يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت.
﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ أي : يوم ينفخ في الصور.
﴿ءَامِنُونَ﴾ لا يعتريهم ذلك الفزع الهائل ولا يلحقهم ضرره أصلاً وأما الفزع الذي يعتري كل من في السموات ومن في الأرض غير من استثناه الله فإنما هو التهيب والرعب الحاصل في ابتداء النفخة من معاينة فنون الدواهي والأهوال ولا يكاد يخلو منه أحد بحكم الجبلة وإن كان آمناً من لحوق الضرر.
﴿وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ أي : الشرك الذي وهو أسوأ المساوىء ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ﴾ الكب إسقاط الشيء على وجهه أي ألقوا وطرحوا فيها على وجوههم منكوسين ويجوز أن يراد بالوجوه أنفسهم كما أريدت بالأيدي في قوله : و﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة : ١٩٥) فإن الوجه والرأس والرقبة واليد يعبر بها عن جميع البدن ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ﴾ على الالتفات أو على إضمار القول أي مقولاً لهم ما تجزون.
﴿إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من الشرك وفي الحديث :"إذا كان يوم القيامة جاء الإيمان والشرك يجثوان بين يدي الرب تعالى فيقول الله تعالى للإيمان : انطلق أنت وأهلك إلى الجنة ويقول للشرك : انطلق أنت وأهلك إلى النار" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ إلى قوله :﴿فِى النَّارِ﴾.
ويقال : لا إله إلا الله مفتاح الجنة ولا بد للمفتاح من أسنان حتى يفتح الباب ومن أسنانه لسان ذاكر طاهر من الكذب والغيبة، وقلب خاشع طاهر من الحسد والخيانة، وبطن طائر من الحرام والشهية، وجوارح مشغولة بالخدمة طاهرة من المعاصي.
وعن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : يا أبا عبد الله ألا أنبئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة والسيئة التي من جاء بها كبه الله في النار ولم يقبل معها عملاً؟ قلت : بلى قال : الحسنة حبنا والسيئة بعضنا اعلم أن الله تعالى هدى الخلق إلى طلب الحسنات بقوله :﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا﴾ وهي استعمالهم في أحكام الشريعة على وفق آداب الطريقة بتربية أرباب الحقيقة وفي الآخرة حسنة وهي انتفاع من عالم الحقيقة انتفاعاً أبدياً سرمدياً وهم لا يحزنهم الفزع الأكبر أصيبوا بفزع المحبة في الدنيا فحوسبوا في فزع العقبى به ومن جاء بحب الدنيا فكبت وجوههم في نار القطيعة وقيل لهم :﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يعني بطلب الدنيا فإنها مبنية على وجه جهنم ودركاتها فمن ركب في طلبها وقع في النار :
اكر خواهي خلاص ازنار فرقت
مده دلرا بجز عشق ومحبت
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٥
﴿إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَـاذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِى حَرَّمَهَا﴾ العبادة غاية التذلل والبلد المكان المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامته فيه ولاعتبار الأثر قيل بجلده بلدة أي أثر والمراد بالبلدة هنا مكة المعظمة وتخصيصها بالإضافة تشريف لها وتعظيم لشأنها مثل ناقة الله وبيت الله ورجب شهر الله.


الصفحة التالية
Icon