قال بعضهم : والأصح أن اسمها كلثوم لا مريم لما روى الزبير بن بكار أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل على خديجة رضي الله عنها وهي مريضة فقال لها يا خديجة :"أشعرت أن الله زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وهي التي علمت ابن عمها قارون الكيمياء وآسية امرأة فرعون" فقالت : آ أخبرك بهذا يا رسول الله فقال :"نعم" فقالت : بالرفاء والبنين وأطعم رسول الله خديجة من عنب الجنة وقولها بالرفاء والبنين أي أعرست أي اتخذت العروس حال كونك ملتبساً بالالتئام والاتفاق وهو دعاء يدعى به في الجاهلية عند التزويج والمراد منه الموافقة والملاءمة مأخود من قولهم : رفأت الثوب ضممت بعضه إلى بعض ولعل هذا إنما كان قبل ورود النهي عن ذلك كذا في "إنسان العيون".
وفيه أيضاً قد حمى الله هؤلاء النسوة عن أن يطأهن أحد فقد ذكر أن آسية لما ذكرت لفرعون أحب أن يتزوجها فتزوجها على كره منها ومن أبيها مع بذله لها الأموال الجليلة فلما زفت له وهم بها أخذه الله عنها وكان ذلك حاله معها وكان قد رضي منها بالنظر إليها وأما مريم فقيل : إنها تزوجت بابن عمها يوسف النجار ولم يقربها وإنما تزوجها لمرافقتها إلى مصر لما أرادت الذهاب إلى مصر بولدها عيسى عليهما السلام وأقاموا بها اثنتي عشرة سنة ثم عادت مريم وولدها إلى الشأم ونزلا الناصرة وأخت موسى لم يذكر أنها تزوجت انتهى.
﴿قُصِّيهِ﴾ أمر من قص أثره قصاً وقصصاً تتبعه أي اتبعي أثره وتتبعي خبره.
وبالفارسية (بر ي برادر خود برووازوخبر كبر) أي فاتبعته يعني كلثوم (بدركاه فرعون آمد) ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ﴾ أي أبصرته.
يعني (س برادر خودرا بديد).
﴿عَن جُنُبٍ﴾ عن بعد تبصره ولا توهم أنها تراه يقال : جنبته وأجنبته ذهبت عن ناحيته وجنبه ومنه الجنب لبعده من الصلاة ومس المصحف ونحوهما والجار الجنب أي البعيد ويقال : الجار الجنب أيضاً للقريب اللازق بك إلى جنبك.
﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ أنها تقصه وتتعرف حاله أو أنها أخته.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٦
﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ﴾ التحريم بمعنى المنع كما في قوله تعالى :﴿فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾ (المائدة : ٧٢) لأنه لا معنى للتحريم على صبي غير مكلف أي منعنا موسى أن يرضع من المرضعات ويشرب لبن غير أمه بأن أحدثنا فيه كراهة ثدي النساء والنفار عنها من قبل قص أخته أثره أو من قبل أن نرده على أمه كما قال في "الجلالين"، أو من قبل مجيء أمه كما قاله
٣٨٦
أبو الليث أو في القضاء السابق لأنا أجرينا القضاء بأن نرده إلى أمه كما في "كشف الأسرار" والمراضع جمع مرضع وهي المرأة التي ترضع أي من شأنها الإرضاع وإن لم تكن تباشر الإرضاع في حال وصفها به فهي بدون التاء لأنها من الصفات الثابتة والمرضعة هي التي في حالة إرضاع الولد بنفسها ففي الحديث :"ليس للصبي خير من لبن أمه" أو ترضعه امرأة صالحة كريمة الأصل فإن لبن المرأة الحمقاء يسري وأثر حمقها يظهر يوماً وفي الحديث :"الرضاع يغير الطباع" ومن ثمة لما دخل الشيخ أبو محمد الجويني بيته ووجد ابنه الإمام أبا المعالي يرتضع ثدي غير أمه اختطفه منها ثم نكس رأسه ومسح بطنه وأدخل أصبعه في فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى خرج ذلك اللبن فقال : يسهل علي موته ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير أمه ثم لما كبر الإمام كان إذا حصلت له كبوة في المناظرة يقول : هذه من بقايا تلك الرضعة قالوا : العادة جارية أن من ارتضع امرأة فالغالب عليه أخلاقها من خير وشر كما في "المقاصد الحسنة" للإمام السخاوي.
﴿فَقَالَتْ﴾ أي أخته عند رؤيتها لعدم قبوله الثدي واعتناء فرعون بأمره وطلبهم من يقبل ثديها.
﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ (آيا دلالت كنم شمارا) ﴿عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ﴾ (بر أهل خانه) ﴿يَكْفُلُونَه لَكُمْ﴾ الكفالة الضمان والعيالة يقال كفل به كفالة وهو كفيل إذا تقبل به وضمنه وكفله فهو كافل إذا عاله أي يربونه ويقومون بإرضاعه لأجلكم.
﴿وَهُمْ لَه نَـاصِحُونَ﴾ يبذلون النصح في أمره ولا يقصرون في إرضاعه وتربيته.
والنصح ضد الغش وهو تصفية العمل من شوائب الفساد.
وفي "المفردات" : النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه انتهى.
روي : أنهم قالوا لها : من يكفل؟ قالت : أمي قالوا : ألامك لبن؟ قالت : نعم لبن هارون وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها صبي فقالوا : صدقت.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٦
وفي "فتح الرحمن" : قالت : هي امرأة قد قتل ولدها فأحب شيء إليها أن تجد صغيراً ترضعه انتهى.


الصفحة التالية
Icon