يقول الفقير : إن الأول أقرب إلى الصواب إلا أن يتأول القتل بما في حكمه من إلقائه في النيل وغيبوبته عنها.
وروي : أن هامان لما سمعها قال : إنها لتعرفه وأهله خذوها حتى تخبر من له فقالت : إنما أردت وهم للملك ناصحون يعني أرجعت الضمير إلى الملك لا إلى موسى تخلصاً من يده فقال هامان : دعوها لقد صدقت فأمرها فرعون بأن تأتي بمن يكفله فأتت بأمه وموسى على يد فرعون يبكي وهو يعلله أو في يد آسية فدفعه إليها فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها.
يوي خوش توهركه زباد صبا شنيد
از يار آشنا سخن آشنا شنيد
فقال : من أنت فقد أبى كل ثدي إلا ثديك؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أوتى بصبي إلا قبلني فدفعه إليها وأجرى عليها أجرتها (وكفت در هفته يكروز يش ما آور) فرجعت به إلى بيتها من يومها مسرورة فكانوا يعطون الأجرة كل يوم ديناراً وأخذتها لأنها مال حربي لا أنها أجرة حقيقة على إرضاعها ولدها كما في "فتح الرحمن".
يقول الفقير : الإرضاع غير مستحق عليها من حيث أن موسى ابن فرعون ويجوز لها أخذ الأجرة نعم إن أم موسى تعينت للإرضاع بأن لم يأخذ موسى من لبنها غيرها فكيف يجوز أخذ الأجرة اللهم إلا أن تحمل على الصلة لا على الأجرة إذ لم تمتنع إلا أن تعطى الأجرة ويحتمل أن يكون
٣٨٧
ذلك مما يختلف باختلاف الشرائع كما لا يخفى.
قال في "كشف الأسرار" : لم يكن بين إلقائها إياه في البحر وبين رده إليها إلا مقدار ما يصبر الولد فيه عن الوالدة انتهى وأبعد من قال مكث ثماني ليال لا يقبل ثدياً.
﴿فَرَدَدْنَـاهُ إِلَى أُمِّهِ﴾ أي : صرفنا موسى إلى والدته.
﴿كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ بوصول ولدها إليها.
وبالفارسية (تاروشن شود شم أو).
﴿وَلا تَحْزَنَ﴾ بفراقه ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ أي جميع ما وعده من رده وجعله من المرسلين ﴿حَقَّ﴾ لا خلف فيه بمشاهدة بعضه وقياس بعضه عليه ﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾ آل فرعون ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ أن وعد الله حق فمكث موسى عند أمه إلى أن فطمته وردته إلى فرعون وآسية فنشأ موسى في حجر فرعون وامرأته يربيانه بأيديهما واتخذاه ولداً فبينا هو يلعب يوماً بين يدي فرعون وبيده قضيب له يلعب به إذ رفع القضيب فضرب به رأس فرعون فغضب فرعون وتطير من ضربه حتى همّ بقتله فقالت آسية : أيها الملك لا تغضب ولا يشقنّ عليك فإنه صبي صغير لا يعقل ضربه إن شئت اجعل في هذا الطست جمراً وذهباً فانظر على أيهما يقبض فأمر فرعون بذلك فلما مد موسى يده ليقبض على الذهب قبض الملك الموكل به على يده فردها إلى الجمرة فقبض عليها موسى فألقاها في فيه ثم قذفها حين وجد حرارتها فقالت آسية لفرعون : ألم أقل لك أنه لا يعقل شيئاً فكفّ عنه وصدقها وكان أمر بقتله ويقال أن العقدة التي كانت في لسان موسى أي قبل النبوة أثر تلك الجمرة التي التقمها ثم زالت بعدها لأنه عليه السلام دعا بقوله :﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ وقد سبق في طه.
قال الشيخ العطار قدس سره :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٦
همو موسى اين زمان در طشت آتش مانداه أيم
طفل فرعونيم ما كام ودهان راحكرست
وهو شكاية من زمانه وأهاليه فإن لكل زمان فرعون يمتحن به من هو بمشرب موسى واستعداده ولكن كل محنة فهي مقدمة لراحة كما قال الصائب :
هر محنتي مقدمه راحتي بود
شد همزبان حق وزبان كليم سوخت
فلا بد من الصبر فإنه يصير الحامض حلواً.
اعلم أن موسى كان ضالة أمه فرده الله إليها بحسن اعتمادها على الله تعالى وكذا القلب ضالة السالك فلا بد من طلبه وقص أثره فإنه الموعود الشريف الباقي وهو الطفل الذي هو خليفة الله في الأرض ومن عرفه وأحسن بفراقه وألمه هان عليه بذل النقد الخسيس الفاني نسأل الله الاستعداد لقبول الفيض.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٦
﴿وَلَمَّا بَلَغَ﴾ موسى ﴿أَشُدَّهُ﴾ أي : قوته وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين واحد على بناء الجميع كما سبق في سورة يوسف.
﴿وَاسْتَوَى﴾ والاستواء اعتدال الشيء في ذاته أي اعتدل عقله وكمل بأن بلغ أربيعين سنة كقوله :﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ (الأحقاف : ١٥) بعد قوله :﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ (الأحقاف : ١٥) وفي يوسف ﴿بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ (يوسف : ٢٢) فحسب لأنه أوحى إليه في صباه حين كونه في البئر وموسى عليه السلام أوحى إليه بعد أربعين سنة كما قال :﴿حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ أي : نبوة ﴿وَعِلْمًا﴾ بالدين.
قال الكاشفي :(ذكر انباي نبوت دراثناي اين قضيه) أي معه أنه تعالى استنبأه بعد الهجرة في المراجعة من مدين إلى مصر (بيان صدق هرد ووعده است كه نانه أورا بمادر رسانيديم ونبوت هم داديم)
٣٨٨
والجمهور على أن نبينا عليه السلام بعث على رأس الأربعين وكذا كل نبي عند البعض.