وقال بعضهم : اشتراط الأربعين في حق الأنبياء ليس بشيء لأن عيسى عليه السلام نبىء ورفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين ونبىء يوسف عليه السلام وهو ابن ثماني عشرة ويحيى عليه السلام نبىء وهو غير بالغ قيل كان ابن سنتين أو ثلاث وكان ذبحه قبل عيسى بسنة ونصف وهكذا أحوال بعض الأولياء فإن سهل بن عبد الله التستري سلك وكوشف له وهو غير بالغ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٨
وفي الآية تنبيه على أن العطية الإلهية تصل إلى العبد وإن طال العهد إذا جاء أوانها فلطالب الحق أن ينتظر إحسان الله تعالى ولا ييأس منه فإن المحسن لا بد وأن يجازى بالإحسان كما قال تعالى :﴿وَكَذَالِكَ﴾ أي : كما جزينا موسى وأمه ﴿نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ﴾ على إحسانهم وفيه تنبيه على أنهما كانا محسنين في عملهما متقيين في عنفوان عمرهما فمن أدخل نفسه في زمرة أهل الإحسان جازاه الله بأحسن الجزاء.
حكي : أن امرأة كانت تتعشى فسألها سائل فقامت ووضعت في فمه لقمة ثم وضعت ولدها في موضع فاختلسه الذئب فقالت : يا رب ولدي فأخذ آخذ عنق الذئب واستخرج الولد من فيه بغير أذى وقال لها : هذه اللقمة بتلك اللقمة التي وضعتها في فم السائل.
والإحسان على مراتب فهو في مرتبة الطبيعة بالشريعة وفي مرتبة النفس بالطريقة وإصلاح النفس وذلك بترك حظ النفس فإنه حجاب عظيم وفي مرتبة الروح بالمعرفة وفي مرتبة السر بالحقيقة.
فغاية الإحسان من العبد الفناء في الله ومن المولى إعطاء الوجود الحقاني إياه ولا يتيسر ذلك الفناء إلا لمن أيده الله بهدايته ونور قلبه بأنوار التوحيد إذ التوحيد مفتاح السعادات فينبغي لطالب الحق أن يكون بين الخوف والرجاء في مقام النفس ليزكيها بالوعد والوعيد ويصفي وينور الباطن في مقام القلب بنور التوحيد ليتهيأ لتجليات الصفات ويطلب الهداية في مقام الروح ليشاهد تجلي الذات ولا يكون في اليأس والقنوط ألا ترى أن أم موسى كانت راجية واثقة بوعد الله حتى نالت ولدها موسى وتشرفت أيضاً بنبوته فإن من كانت صدف درة النبوة تشرفت بشرفها.
واعلم أنه لا بد من الشكر على الإحسان فشكر الإله بطول الثناء وشكر الولاة بصدق الولاء وشكر النظير بحسن الجزاء وشكر من دونك ببذل العطاء.
يكي كوش كودك بماليد سخت
كه اي بوالعجب رأي بركشته بخت
تراتيشه دادم كه هيزم شكن
نكفتم كه ديوار مسجد بكن
زبان آمد ازبهر شكر وساس
بغيبيت نكر داندش حق شناس
كذركاه قرآن وندست كوش
به بهتان وباطل شنيدن مكوش
دوشم ازى صتننع باري نكوست
زعيب برادر فروكير ودوست
بروشكر كن ون بنعمت درى
كه محرومي آيد زمستكبرى
كرا زحق نه توفيق خيري رسد
كي ازبنده خيري بغير ي رسد
ببخش أي بسر كادمي زاده صيد
بإحسان توان كرد ووحشى بقيد
مكن بدكه بدبيني ازيارنيك
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٨
نيايد زتخم بدي بارنيك
٣٨٩
أي : لا تجيء ثمرة الخير إلا من شجرة الخير كما لا يحصل الحنظل إلا من العلقمة فمن أراد الرطب فليبذر النخل.
حكي : أن امرأة كانت لها شاة تتعيش بها وأولادها فجاءها يوماً ضيف فلم تجد شيئاً للأكل فذبحت الشاة ثم إن الله تعالى أعطاها بدلها شاة أخرى وكانت تحلب من ضرعها لبناً وعسلاً حتى اشتهر ذلك بين الناس فجاء يوماً زائرون لها فسألوا عن السبب في ذلك فقالت : إنها كانت ترعى في قلوب المريدين يعني أن الله تعالى جازاها على إحسانها إلى الضيف بالشاة الأخرى ثم لما كان بذله عن طيب الخاطر وصفاء البال أظهر الله ثمرته في ضرع الشاة بإجراء اللبن والعسل فليس جزاء الإحسان إلا الإحسان الخاص من قبل الرحمن وليس للإمساك والبخل ثمرة سوى الحرمان نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين يحسنون لأنفسهم في الطلب والإرادة وتحصيل السعادة واستجلاب الزيادة والسيارة.
﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ﴾ ودخل موسى مصراً آتياً من قصر فرعون.
وبالفارسية (موسى از قصر فرعون برون آمد ودرميان شهرشد) وذلك لأن قصر فرعون كان على طرف من مصر كما سيأتي عند قوله تعالى :﴿وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ﴾ (القصص : ٢٠) قيل المراد مدينة منف من أرض مصر وهي مدينة فرعون موسى التي كان ينزلها وفيها كانت الأنهار تجري تحت سريره وكانت في غربي النيل على مسافة اثني عشر ميلاً من مدينة فسطاط مصر المعروفة يومئذ بمصر القديمة ومنف أول مدينة عمرت بأرض مصر بعد الطوفان وكانت دار الملك بمصر في قديم الزمان.
﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ أي حال كونه في وقت لا يعتاد دخولها.