قال ابن عباس رضي الله عنهما : دخلها في الظهيرة عند المقيل وقد خلت الطرق.
﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ﴾ الجملة صفة لرجلين.
والاقتتال (كارزار كردن بايكديكر) ﴿هَـاذَآ﴾ (آن يكي) ﴿مِن شِيعَتِهِ﴾ أي ممن شايعه وتابعه على دينه وهم بنو إسرائيل روي أنه السامري كما في "فتح الرحمن" والإشارة على الحكاية وإلا فهو والذي من عدوه ما كانا حاضرين حال الحكاية لرسول الله ولكنهما لما كانا حاضرين يشار إليهما وقت وجدان موسى إياهما حكى حالهما وقتئذ.
﴿وَهَـاذَا﴾ (وآن يكي ديكر).
﴿مِنْ عَدُوِّهِ﴾ العدو يطلق على الواحد والجمع أي من مخالفيه ديناً وهم القبط واسمه فاتون كما في "كشف الأسرار" وكان خباز فرعون أراد أن يسخر الإسرائيلي ليحمل حطباً إلى مطبخ فرعون.
﴿فَاسْتَغَـاثَهُ الَّذِى مِن شِيعَتِه عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ﴾ أي سأله أن يغيثه بالإعانة عليه ولذلك عدي بعلي يقال : استغثت طلبت الغوث أي النصرة.
وبالفارسية (س فرياد خواست بموسى آإنكسى كه از كروه اوبود بررنكسي كه از دشمنان أو بود يعني ياري طلبي دسبطي ازموسى بردفع قبطي) وكان موسى قد أعطي شدة وقوة (قبطي راكفت دست ازو بدار قبطي سخن موسى ردكرد).
﴿فَوَكَزَه مُوسَى﴾ الوكز كالوعد الدفع والطعن والضرب بجمع الكف وهو بالضم والكسر حين يقبضها أي فضرب القبطي بجمع كفه.
وبالفارسية (س مشت زداورا موسى) ﴿فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ أي : فقتله فندم فدفنه في الرمل وكل شيء فرغت وأتممته فقد قضيت عليه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٨
في "المفردات" : يعبر عن الموت بالقضاء فيقضى نحبه لأنه فصل أمره بالمختص به من دنياه
٣٩٠
والقضاء فصل الأمر.
﴿قَالَ هَـاذَا﴾ القتل ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ﴾ (از عمل كسى است كه شيطان اورا اغوا كند نه عمل أمثال من) فأضيف العمل إلى الشيطان لأنه كان بإغوائه ووسوسته وإنما كان من عمله لأنه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مأموناً فيهم فلم يكن له اغتيالهم ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ وإنما عده من عمل الشيطان وسماه ظلماً واستغفر منه جرياً على سنن المقربين في استعظام ما فرط منهم ولو كان من محقرات الصغائر وكان هذا قبل النبوة.
﴿إِنَّهُ﴾ أي : الشيطان.
﴿عَدُوٌّ﴾ لابن آدم ﴿مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾ ظاهر العداوة والإضلال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٨
﴿قَالَ﴾ توسيط قال بين كلاميه لإبانة ما بينهما من المخالفة من حيث أنه مناجاة ودعاء بخلاف الأول ﴿رَبُّ﴾ (أي روردكار من) ﴿إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى﴾ بقتل القبطي بغير أمر ﴿فَاغْفِرْ لِى﴾ ذنبي ﴿فَغَفَرَ لَه﴾ ربه ذلك لاستغفاره ﴿إِنَّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ أي : المبالغ في مغفرة ذنوب العباد ورحمتهم.
﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ﴾ إما قسم محذوف الجواب أي أقسم عليك بإنعامك عليّ بالمغفرة لأتوبن ﴿فَلَنْ أَكُونَ﴾ بعد هذا أبداً ﴿ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ معيناً لهم يقال ظاهرته أي قويت ظهره بكوني معه وإما استعطاف أي بحق إحسانك عليّ اعصمني فلن أكون معيناً لمن تؤدي معاونته إلى الجرم وهو فعل يوجب قطيعة فاعله وأصله القطع.
قال ابن عطاء : العارف بنعم الله من لا يوافق من خالف ولي نعمته والعارف بالمنعم من لا يخالفه في حال من الأحوال انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لم يستثن فابتلي به أي بالعون للمجرمين مرة أخرى كما سيأتي.
يقول الفقير : المراد بالمجرم ههنا الجاني الكاسب فعلاً مذموماً فلا يلزم أن يكون الإسرائيلي كافراً كما دل عليه هذا من شيعته وقوله : بالذي هو عدو لهما على أن بني إسرائيل كانوا على دين يعقوب قبل موسى ولذا استذلهم فرعون بالعبودية ونحوها وأما قول ابن عباس رضي الله عنهما عند قوله : ظهيراً للمجرمين، أي عوناً للكافرين فيدل على أن إطلاق المجرم المطلق على المؤمن الفاسق من قبل التغليظ والتشديد ثم إن هذا الدعاء وهو قوله : رب بما أنعمت عليّ إلخ حسن إذا وقع بين الناس اختلاف وفرقة في دين أو ملك أو غيرهما وإنما قال موسى هذا عند اقتتال الرجلين ودعا به ابن عمر رضي الله عنهما عند قتال علي ومعاوية كذا في "كشف الأسرار".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩١
ثم إن في الآية إشارة إلى أن المجرمين هم الذين أجرموا بأن جاهدوا كفار صفات النفس بالطبع والهوى لا بالشرع والمتابعة كالفلاسفة والبراهمة والرهابين وغيرهم فجهادهم يكون من عمل الشيطان.
﴿فَأَصْبَحَ﴾ دخل موسى في الصباح.
﴿فِى الْمَدِينَةِ﴾ وفيه إشارة إلى أن دخول المدينة والقتل كانا بين العشاءين حين اشتغل الناس بأنفسهم كما ذهب إليه البعض.
﴿خَآاـاِفًا﴾ أي : حال كونه خائفاً على نفسه من آل فرعون.
﴿يَتَرَقَّبُ﴾ يترصد طلب القود أو الأخبار وما يقال في حقه وهل عرف قاتله.
والترقب انتظار المكروه.