قال ابن عباس رضي الله عنهما : ورده وإنه ليتراءى خضرة البقل في بطنه من الهزال ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ﴾ أي جانب البئر وفوق شفيرها ﴿أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ﴾ جماعة كثيرة منهم.
﴿يَسْقُونَ﴾ مواشيهم ﴿وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ﴾ في مكان أسفل منهم ﴿امْرَأَتَينِ﴾ صفورياء ولياً ابنتا يثرون ويثرون هو شعيب قاله السهيلي في كتاب "التعريف" ﴿تَذُودَانِ﴾ الذود والكف والطرد والدفع أي تمنعان أغنامهما عن التقدم إلى البئر.
قال الكاشفي :(از آنجاكه شفقت ذاتي انبيا مي باشد فرا يش رفت وبطريق تلطف) ﴿قَالَ﴾ عليه السلام :﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾ الخطب الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب أي ما شأنكما فيما أنتما عليه من التأخر والذود ولم لا تباشران السقي كدأب هؤلاء.
قال بعضهم : كيف استجاز موسى أن يكلم امرأتين أجنبيتين والجواب كان آمناً على نفسه معصوماً من الفتنة فلأجل علمه بالعصمة كلمهما كما يقال : كان للرسول التزوج بامرأة من غير الشهود لأن الشهود لصيانة العقد عن التجاحد وقد عصم الرسول من أن يجحد نكاحاً أو يجحد نكاحه دون غيره من أفراد أمته ﴿قَالَتَا لا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ﴾ لإصدار (بازكردانيدن) والرعاء بالكسر جمع راع كقيام جمع قائم ما يرعاء والمرعى موضع الرعي ويسمى كل سائس لنفسه أو لغيره راعياً وفي الحديث :"كلكم مسؤول عن رعيته" قيل : الرعاء هم الذين يرعون المواشي والرعاة هم الذين يرعون الناس وهم الولاة.
والمعنى عادتنا أن لا نسقي مواشينا حتى يصرف الرعاء : وبالفارسية :(بازكردانند شبانان) مواشيهم بعد ريها ويرجعوا عجزاً عن مساجلتهم وحذراً من مخالطة الرجال فإذا انصرفوا سقينا من فضل مواشيهم وحذف مفعول السقي والذود والإصدار لما أن الغرض هو بيان تلك الأفعال أنفسها إذ هي التي دعت موسى إلى ما صنع في حقهما من المعروف فإنه عليه السلام إنما رحمهما لكونهما على الذياد والعجز والعفة وكونهم على السقي غير مبالين بهما وما رحمهما لكون مذودهما غنماً ومستقيهم إبلاً مثلاً ﴿وَأَبُونَا﴾ وهو شعيب ﴿شَيْخٌ﴾ (يري است) ﴿كَبِيرٌ﴾ كبير السن أو القدر والشرف لا يستطيع أن يخرج فيرسلنا للرعي والسقي اضطراراً ومن قال من المعاصرين فيه عبرة أن مواشي النبي لم يلتفت إليها فقد أتى بالعبرة لأن الراعي لا يعرف ما النبي كما أن القروي في زماننا لا يعرف ما شريعة النبي وقد جرت العادة على أن أهل الإيمان من كل أمة أقل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٣
﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ ماشيتهما رحمة عليهما وطلباً لوجه الله تعالى.
روي : أن الرجال كانوا يضعون على رأس البئر حجراً لا يرفعه إلا سبعة رجال أو عشرة أو أربعون فرفعه وحده مع ما كان به من الوصب والجوع وجراحة القدم (ازنيجا كفته اندكه هر يغمبر يزا بهل مردنيروي بود يغمبرامارا بهل يغمبر نيروبود) ولعله زاحمهم في السقي لهما فوضعوا الحجر على البئر لتعجيزه عن ذلك وهو الذي يقتضيه سوق النظم الكريم ﴿ثُمَّ﴾ بعد فراغه ﴿تَوَلَّى﴾ جعل ظهره يلي ما كان يليه وجهه أي أعرض
٣٩٥
وانصرف ﴿إِلَى الظِّلِّ﴾ هو ما لم يقع عليه شعاع الشمس وكان ظل سمرة هنالك فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع.
﴿فَقَالَ﴾ يا ﴿رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ﴾ أي : أي شيء أنزلته إلي ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ قليل أو كثير وحمله الأكثرون على الطعام بمعونة المقام ﴿فَقِيرٌ﴾ محتاج سائل ولذلك عدي باللام.
وفيه إشارة إلى أن السالك إذا بلغ عالم الروحانية لا ينبغي أن يقنع بما وجد من معارف ذلك العالم بل يكون طالباً للفيض الإلهي بلا واسطة.
قال بعضهم : هذا موسى كليم الله لما كان طفلاً في حجر تربية الحق ما تجاوز حده بل قال : رب إلخ فلما بلغ مبلغ الرجال ما رضي بطعام الأطفال بل قال : أرني أنظر إليك فكان غاية طلبه في بدايته الطعام والشراب وفي نهايته رفع الحجاب ومشاهدة الأحباب.
قال ابن عطاء : نظر من العبودية إلى الربوبية فخشع وخضع وتكلم بلسان الافتقار لما ورد على سره من أنواع الربوبية فافتقاره افتقار العبد إلى مولاه في جميع أحواله لا افتقار سؤال وطلب انتهى.
وسئل سهل عن الفقير الصادق فقال : لا يسأل ولا يرد ولا يحبس.
قال فارس : قلت لبعض الفقراء مرة ورأيت عليه أثر الجوع والضر : لم لا تسأل فيطعموك؟ فقال : أخاف أن أسألهم فيمنعوني فلا يفلحون.
ولما كان موسى عليه السلام جائعاً سأل من الله ما يأكل ولم يسأل من الناس ففطنت الجاريتان فلما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما قفلت قال لهما : ما أعجلكما؟ قالتا : وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقي لنا ثم تولى إلى الظل فقال : رب إلخ فقال أبوهما : هذا رجل جائع فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لنا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٣
﴿فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا﴾ عقيب مارجعتا إلى أبيهما وهي الكبرى واسمها صفورياء.
فإن قلت : كيف جاز لشعيب إرسال ابنته لطلب أجنبي؟.


الصفحة التالية
Icon