قلت : لأنه لم يكن له من الرجال من يقوم بأمره ولأنه ثبت عنده صلاح موسى وعفته بقرينة الحال وبنور الوحي.
﴿تَمْشِى﴾ حال من فاعل جاءته ﴿عَلَى اسْتِحْيَآءٍ﴾ ما هو عادة الأبكار.
والاستحياء (شسرم داشتن).
قال أبو بكر بن طاهر : لتمام إيمانها وشرف عنصرها وكريم نسبها أتته على استحياء وفي الحديث :"الحياء من الإيمان" أي : شعبة منه.
قال أعرابي : لا يزال الوجه كريماً ما غلب حياؤه ولا يزال الغصن نضيراً ما بقي لحاؤه ﴿قَالَتْ﴾ استئناف بياني ﴿إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ﴾ ليكافئك ﴿أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ جزاء سقيك لنا (موسى بجهت زيارت شعيب وتقريب آشنايي باوي أجابت كردندنه برايطمع) ولأنه كان بين الجبال خائفاً مستوحشاً فأجابها فانطلقا وهي أمامه فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته أو كشفته عن ساقيها فقال لها : امشي خلف وانعتي إليّ الطريق فتأخرت وكانت تقول عن يمينك وشمالك وقدامك حتى أتيا دار شعيب فبادرت المرأة إلى أبيها وأخبرته فأذن له في الدخول وشعيب يومئذ شيخ كبير وقد كف بصره فسلم موسى افرد عليه السلام وعانقه ثم أجلسه بين يديه وقدم إليه طعاماً فامتنع منه وقال : أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيته وأنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا لأنه كان من بيت النبوة من أولاد يعقوب فقال شعيب : لا والله يا شاب ولكن هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فتناول هذا وإن من فعل معروفاً فأهدي إليه شيء لم يحرم أخذه.
﴿فَلَمَّا جَآءَهُ﴾ (س آن هنكام آمد موسى زنديك شعيب).
﴿وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ أخبره بما جرى عليه من الخبر المقصوص فإنه مصدر سمي به
٣٩٦
المفعول كالعلل.
﴿قَالَ لا تَخَفْا نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ﴾ أي فرعون وقومه فإنه لا سلطان له بأرضنا ولسنا في مملكته.
وفيه إشارة إلى أن القلب مهما يكون في مقامه يخاف عليه أن يصيبه آفات النفس وظلم صفاتها فإذا وصل بالسر إلى مقام الروح فقد نجا من ظلمات النفس وظلم صفاتها ألا ترى أن السلطان ما دام في دار الحرب فهو على خوف من الأعداء فإذا دخل حد الإسلام زال ذلك.
وفيه إشارة إلى أن من وقع في الخوف يقال له لا تخف كما أن من وقع في الأمن يقال له : خف وفي "المثنوي" :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٣
لا تخافوا هست نزل خائفان
هشت درخور ازبراي خائف آنهركه ترسد مرورا ايمن كنند
مردل ترسنده را ساكن كنند
آنكه خوفش نيست ون كويي مترس
درس ه دهي نيست أو محتاج درس
قال أويس القرني رضي الله عنه كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم يعني خائفاً مغموماً.
قال شعيب بن حرب : كنت إذا نظرت إلى الثوري فكأنه رجل في أرض مسبعة خائف الدهر كله وإذا نظرت إلى عبد العزيز بن أبي داود فكأنه يطلع إلى القيامة من الكوة.
ثم إن موسى قد تربى عند فرعون بالنعمة الظاهرة ولما هاجر إلى الله وقاسى مشاق السفر والغربة عوضه الله عند شعيب النعمة الظاهرة والباطنة.
قيل :
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه
وانصب فإن اكتساب المجد في النصب
فالأسد لولا فراق الخيس ما افترست
والسهم لولا فراق القوس لم يصب
وقيل :
بلاد الله واسعة فضاء
ورزق الله في الدنيا فسيح
فقل للقاعدين على هوان
إذا ضاقت بكم أرض فسيحوا
قال الشيخ سعدي قدس سره :
سعد يا حب وطن كره حديث است صحيح
نتوان مرد بسختي كه من اينجا زادم
ألا ترى أن موسى عليه السلام ولد بمصر ولما ضاقت به هاجر إلى أرض مدين فوجد السعة مطلقاً فالكامل لا يكون زمانياً ولا مكانياً بل يسيح إلى حيث أمر الله تعالى من غير ليّ العنق إلى ورائه ولو كان وطنه فإن الله تعالى إذا كان مع المرء فالغربة له وطن والمضيق له وسيع.
وفي "المثنوي" :
هركجا باشد شه مارا بساط
هست صحرا كربود سم الخياطهركجا يوسف رضي باشد وماه
جنت است آن كره باشد قعرجاه
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا﴾ وهي الكبرى التي استدعته إلى أبيها وهي التي زوجها موسى.
يا اأَبَتِ} (اي در من) ﴿اسْتَـاْجِرْهُ﴾ أي اتخذ موسى أجيراً لرعي الغنم والقيام بأمرها.
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يا اأَبَتِ اسْتَـاْجِرْه إِنَّ خَيْرَ﴾ اللام للجنس لا للعهد فيكون موسى مندرجاً تحته.
والقوي بالفارسية توانا).
والأمين :(استوار تعريض است بآنكه موسى را قوت وأمانت هست).
روي : أن شعيباً قال لها : وما أعلمك بقوته وأمانته؟ فذكرت له ما شاهدت منه من إقلال الحجر عن رأس البئر ونزع الدلو الكبير وأنه خفض رأسه عند
٣٩٧
الدعوة ولم ينظر إلى وجهها تورعاً حتى بلغته رسالته وأنه أمرها بالمشي خلفه فخصت هاتين الخصلتين بالذكر لأنها كانت تحتاج إليهما من ذلك الوقت أما القوة فلسقي الماء وأما الأمانة فلحفظ البصر وصيانة النفس عنها كما قال يوسف عليه السلام :﴿إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ (يوسف : ٥٥) لأن الحفظ والعلم كان محتاجاً إليهما أما الحفظ فلأجل ما في خزانة الملك وأما العلم فلمعرفة ضبط الدخل والخرج.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٣


الصفحة التالية
Icon