نكان شريح لا يفسر شيئاً من القرآن إلا ثلاث آيات.
الأولى ﴿الَّذِى بِيَدِه عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ (البقرة : ٢٣٧) قال الزوج.
والثانية :﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَه وَءَاتَيْنَـاهُ الْحِكْمَةَ﴾ (ص : ٢٠) البينة والإيمان.
والثالثة :﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يا اأَبَتِ اسْتَـاْجِرْه إِنَّ خَيْرَ﴾ كما فسرت برفع الحجر وغض البصر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٣
﴿قَالَ﴾ شعيب لموسى عليه السلام بعد الاطلاع على قوته وأمانته ﴿إِنِّى أُرِيدُ﴾ (من ميخواهم) ﴿أَنْ أُنكِحَكَ﴾ (آنكه زني بتودهم) ﴿إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَـاتَيْنِ﴾ (يكي را ازين دو دختران) وهي صفورياء التي قال فيها :﴿نَارًا قَالَ لاهْلِهِ امْكُثُوا﴾ (طه : ١٠) ﴿عَلَى أَن تَأْجُرَنِى﴾ حال من المفعول في أنكحك يقال : أجرته إذا كنت له أجيراً كقولك : أبوته إذا كنت له أباً كما في "الكشاف".
والمعنى حال كونك مشروطاً عليك أو واجباً أن تكون لي أجيراً ﴿ثَمَـانِىَ حِجَجٍ﴾ في هذه المدة فهو ظرف جمع حجة بالكسر بمعنى السنة وهذا شرط للأب وليس بصداق لقوله : تأجرني دون تأجرها ويجوز أن يكون النكاح جائزاً في تلك الشريعة بشرط أن يكون منعقد العمل في المدة المعلومة لولي المرأة كما يجوز في شريعتنا بشرط رعي غنمها في مدة معلومة (ودر عين المعاني آورده كه در شرائع متقدمه مهر اختران مر دررا بوده وايشان مي كرفته اند ودر شريعت ما منسوخ شده بدين حكم ﴿وَءَاتُوا النِّسَآءَ صَدُقَـاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (النساء : ٤) وآنكه جر منافع مهر تواندبود ممنوع است نزد إمام أعظم بخلاف إمام شافعي).
واعلم أن المهر لا بد وأن يكون مالاً متقوماً أي في شريعتنا لقوله تعالى :﴿أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم﴾ (النساء : ٢٤) وأن يكون مسلماً إلى المرأة لقوله تعالى :﴿وَءَاتُوا النِّسَآءَ صَدُقَـاتِهِنَّ﴾ (النساء : ٤) فلو تزوجها على تعليم القرآن أو خدمته لها سنة يصح النكاح ولكن يصار إلى مهر المثل لعدم تقوم التعليم والخدمة هذا إن كان الزوج حراً وإن كان عبداً فلها الخدمة فإن خدمة العبد ابتغاء بالمال لتضمنها تسليم رقبته ولا كذلك الحر فالآية سواء حملت على الصداق أو على الشرط فناظرة إلى شريعة شعيب فإن الصداق في شريعتنا للمرأة لا للأب والشرط وإن جاز عند الشافعي لكنه لكونه جراً لمنفعة المهر ممنوع عند إمامنا الأعظم رحمه الله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٨
وقال بعضهم : ما حكي عنهما بيان لما عزما عليه واتفقا على إيقاعه من غير تعرض لبيان موجب العقدين في تلك الشريعة تفضيلاً.
﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا﴾ أي عشر سنين في الخدمة والعمل ﴿فَمِنْ عِندِكَ﴾ أي : فإتمامها من عندك تفضلاً لا من عندي إلزاماً عليك.
﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ (ونمى خواهم آنكه رنج نهم برتن تو بالزام تمام ده سال يابمناقشه درمراعات أوقات واستيفاي أعمال يعني ترا كاري فرمايم بروجهي كه آسان باشد ودر رنج نيفتي) واشتقاق المشقة من الشق فإن ما يصعب عليك بشق اعتقادك في إطاقته ويوزع رأيك في مزاولته.
قال بعض العرفاء : رأى شعيب بنور النبوة أنه يبلغ إلى درجة الكمال في ثماني حجج ولا يحتاج إلى التربية بعد ذلك ورأى أن
٣٩٨
كمال الكمال في عشر حجج لأنه رأى أن بعد العشر لا يبقى مقام الإرادة ويكون بعد ذلك مقام الاستقلال والاستقامة ولا يحتمل مؤنة الإرادة بعد ذلك لذلك قال : إني أريد إلخ وما أريد إلخ.
يقول الفقير : اقتضى هذا التأويل أن عمر موسى وقتئذ كان ثلاثين لأنه لما أتم العشر عاد إلى مصر فاستنبىء في الطريق وقد سبق أن استنباءه كان في بلوغ الأربعين وهذه سنة لأهل الفناء في كل عصر وعندما يمضي ثمان وثلاثون أو أربعون من سن السلوك يكمل الفناء والبقاء وينفد الرزق فافهم.
﴿سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـالِحِينَ﴾ في حسن المعاملة ولين الجانب والوفاء بالعهد ومراده بالاستثناء التبرك به وتفويض الأمر إلى توفيقه لا تعليق صلاحه بمشيئته تعالى وفي الحديث :"بكى شعيب النبي عليه السلام من حب الله حتى عمي فرد الله عليه بصره وأوحى الله إليه يا شعيب ما هذا البكاء أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار؟ فقال : إلهي وسيدي أنت تعلم أني ما أبكي شوقاً إلى جنتك ولا خوفاً من النار ولكن اعتقدت حبك بقلبي فإذا نظرت إليك فما أبالي ما الذي تصنع بي فأوحى الله إليه يا شعيب إن يكن ذلك حقاً فهنيئاً لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي".
اعلم أن في فرار موسى من فرعون إلى شعيب إشارة إلى أنه ينبغي لطالب الحق أن يسافر من مقام النفس الأمارة إلى عالم القلب ويفر من سوء قرين كفرعون إلى خير قرين كشعيب ويخدم المرشد بالصدق والثبات.
روي : أن إبراهيم بن أدهم كان يحمل الحطب سبع عشرة سنة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٨