وفي قوله :﴿عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ثَمَـانِىَ حِجَجٍ﴾ إشارة إلى طريق الصوفية وأن استخدامهم للمريدين من سنن الأنبياء عليهم السلام.
قال الحافظ :
شبان وادي أيمن كهي رسد بمراد
كه ند سال بجان خدمت شعيب كند
﴿قَالَ﴾ موسى ﴿ذَالِكَ﴾ الذي قلته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم وثابت ﴿بَيْنِى وَبَيْنَكَ﴾ جميعاً لا أنا أخرج عما شرطت علي ولا أنت تخرج عما شرطت على نفسك ﴿أَيَّمَا الاجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ أي شرطية منصوبة بقضيت وما زائدة مؤكدة لإبهام أي في شياعها والأجل مدة الشيء.
والمعنى أكثرهما أو أقصرهما وفيتك بأداء الخدمة فيه.
وبالفارسية :(هر كدام ازين دو مدت كه هشت ساله وده سالست بكذارم وبيابان رسانم) وجواب الشرطية قوله :﴿فَلا عُدْوَانَ عَلَىَّ﴾ لا تعدي ولا تجاوز بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثماني أو أيما الأجلين قضيت فلا إثم عليّ يعني كما لا إثم عليّ في قضاء الأكثر كذا لا أثم عليّ في قضاء الأقصر.
﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ﴾ من الشروط الجارية بيننا ﴿وَكِيلٌ﴾ شاهد وحفيظ فلا سبيل لأحد منا إلى الخروج عنه أصلاً.
فجمع شعيب المؤمنين من أهل مدين وزوجه ابنته صفوريا ودخل موسى البيت وأقام يرعى غنم شعيب عشر سنين كما في "فتح الرحمن".
روي : أنه لما أتم العقد قال شعيب لموسى : أدخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصيّ وكانت عنده عصي الأنبياء فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنة ولم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت إلى شعيب فمسها وكان مكفوفاً فلم يرضها له خوفاً من أن لا يكون أهلاً لها وقال غيرها : فما وقع في يده إلا هي سبع مرات فعلم أن لموسى شأناً وحين خرج للرعي قال له شعيب : إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ
٣٩٩
عن يمينك فإن الكلأ وإن كان بها أكثر إلا أن فيها تنيناً أخشى منه عليك وعلى الغنم فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر على كفها ومشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله فنام فإذا بالتنين قد أقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى دامية فلما أبصرها دامية والتنين مقتولاً سر ولما رجع إلى شعيب أخبره بالشأن ففرح شعيب وعلم أن لموسى والعصا شأناً وقال : إني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كل أدرع ودرعاء والدرع بياض في صدور الشاء ونحورها وسواد في الفخذ وهي درعاء كما في "القاموس".
فأوحى الله إليه في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي هو في مستقى الأغنام ففعل ثم سقى فما أخطأت واحدة إلا وضعت أدرع ودرعاء فعلم شعيب أن ذلك رزق ساقه الله تعالى إلى موسى وامرأته فوفى له بالشرط وسلم إليه الأغنام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٨
قال أبو الليث : مثل هذا الشرط في شريعتنا غير واجب إلا أن الوعد من الأنبياء واجب فوفاه بوعده انتهى.
وفي "المثنوي".
جرعه برخاك وفاآنكس كه رخت
يكي تواند صيد دولت زوكريختس يمبر كفت بهر اين طريق
باوفاتر از عمل نبود رفيقكربود نيكو ابديارت شود
وربود بد در لحد بارت شود
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٨
﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الاجَلَ﴾ الفاء فصيحة أي فعقد العقدين وباشر ما التزمه فلما أتم الأجل المشروط بينهما وفرغ منه روي أنه قضى أبعد الأجلين وهي عشر سنين.
يعني (ده سال شباني كردس أورا آرزوي وطن خاست) فبكى شعيب وقال : يا موسى كيف تخرج عني وقد ضعفت وكبرت؟ فقال له : قد طالت غيبتي عن أمي وخالتي وهارون أخي وأختي في مملكة فرعون فقام شعيب وبسط يديه وقال : يا رب بحرمة إبراهيم الخليل وإسماعيل الصفي وإسحاق الذبيح ويعقوب الكظيم ويوسف الصديق رد قوتي وبصري فأمن موسى على دعائه فرد الله عليه بصره وقوته ثم أوصاه بابنته ﴿وَسَارَ﴾ موسى بإذن شعيب نحو مصر والسير المضي في الأرض ﴿بِأَهْلِهِ﴾ بامرأته صفوريا وولده فإنها ولدت منه قبل السير كما في "كشف الأسرار".
وقال الكاشفي :(وببرد كسان خودرا) فالباء على هذا للتعدية.
قال ابن عطاء : لما تم له أجل المحبة ودنت أيام القربة والزلفة وإظهار أنوار النبوة عليه سار بأهله ليشترك معه في لطائف الصنع.
قال في "كشف الأسرار" :(نماز يشين فراره بود همي رفت تاشب در آمد) وكان في البرية والليلة مظلمة باردة فضرب خيمته على الوادي وأدخل أهله فيها وهطلت السماء بالمطر والثلج (وأغنام ازبرف وباد ودمه متفرق شده يعني أغنمام كه أورا شعيب داده بود) وقد كان ساقها معه وكانت امرأته حاملاً فأخذها الطلق فأراد أن يقدح فلم يظهر له نار فاغتم لذلك فحينئذ ﴿مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ﴾ أي : أبصر من الجهة التي تلي الطور ناراً يقال جانب الحائط للجهة التي تلي الجنب والطور اسم جبل مخصوص والنار يقال للهب الذي يبدو للحاسة وللحرارة المجردة ولنار جهنم.