قال بعضهم : لما وصل موسى إلى الشجرة ذهبت النار وبقي النور ونام موسى عن موسى فنودي من شجرة الذات بأصوات الصفات وصار الجبل من تأثير التجلي والكلام عقيقاً وغشي عليه فأرسل الله إليه الملائكة حتى روحوه بمراوح الأنس وقالوا له : يا موسى تعبت فاسترح يا موسى قد باخت فلا تبرح جئت على قدر يا موسى.
يعني :(مقدر بودكه حق سبحانه باتوسخن كند) وكان هذا في ابتداء الأمر والمبتدأ مرفوق به.
وفي المرة الأخرى خرّ موسى صعقاً فكان يصعق والملائكة تقول له : يا ابن النساء الحيض مثلك من يسأل الرؤية يا ليت لو تعلم الملائكة أين موسى هناك لم يعيروه فإن موسى كان في أول الحال مريداً طالباً وفي الآخر مراداً مطلوباً طلبه الحق واصطفاه لنفسه قيل : شتان بين شجرة موسى وبين شجرة آدم عندها طهرت محنة وفتنة وعند شجرة موسى افتتحت نبوة ورسالة يا صاحبي لو يعلم قائل هذا القول حقيقة شجرة آدم لم يقل مثل هذا في حق آدم فإن شجرة آدم إشارة إلى شجرة الربوبية ولذا قال :﴿وَلا تَقْرَبَا هَـاذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ (البقرة : ٣٥) فإن آدم إذ كان متصفاً بصفات الحق أراد العيشة بحقيقتها فنهاه الحق عنها وقال : هذا شيء لم يكن لك فإن حقيقة الأزلية ممتنعة من الاتحاد بالمحدثية هكذا قال : ولكن أظهر أزليته من الشجرة وسكر آدم ولم يصبر عن تناولها فأكل منها حبة الربوبية فكبر حاله في الحضرة ولم يطق في الجنة حملها فأهبط منها إلى معدن العشاق ومقر المشتاق فشجرة آدم شجرة الأسرار وشجرة موسى شجرة الأنوار فالأنوار للأبرار والأسرار للأخيار.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٠
قال بعض الكبار : إذا جاز ظهور التجلي من الشجرة وكذا الكلام من غير كيف ولا جهة فأولى أن يجوز ذلك من الشجرة الإنسانية ولذا قسموا التوحيد إلى ثلاث مراتب.
مرتبة لا إله إلا هو.
ومرتبة لا إله إلا أنت.
ومرتبة لا إله إلا أنا والمتكلم في الحقيقة هو الحق تعالى بكلام قديم أزلي فإن شئت الذوق فارجع إلى الوجدان إن كنت من أهله وإلا فعليك بالإيمان فإن الكلام إما مع الوجدان أو مع أهل الإيمان فسلام على المصطفين الأخيار والمؤمنين الأبرار اللهم أرنا الأشياء كما هي وإنما الكون خيال وهو الحق في الحقيقة فلا موجود إلا هو كما لا مشهود إلا هو فاعرف يا مسكين تغنم.
قال الشيخ سعدي عن لسان العاشق :
مرا باوجود توهستي نماند
بياد توام خود رستي نماند
كرم جرم بيني مكن عيب من
توبي سربر آورده از جيب من
٤٠٢
وقال :
سمندرنه كورد آتش مكرد
كه مردانكي بايد آنكه نبرد
وهو إشارة إلى من ليس حاله كحال موسى نسأل الله الوقوع في نار العشق والوصول إلى سر الفناء الكلي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٠
﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ عطف على أن يا موسى وكلاهما مفسر لنودي أي ونودي أن ألق واطرح من يدك عصاك فألقاها فصارت حية فاهتزت.
﴿فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ﴾ أي تتحرك تحركاً شديداً ﴿كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ في سرعة الحركة أو في الهيئة والجثة فإنها إنما كانت ثعباناً عند فرعون والجان حية كحلاء العين لا تؤذي كثيرة في الدور.
﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ أعرض حال كونه منهزماً من الخوف ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ أي لم يرجع.
قال الخليل : عقب أي رجع على عقبه وهو مؤخر القدم فنودي يا مُوسَى أَقْبِلْ} (يش آي) ﴿وَلا تَخَفْ﴾ (ومترس ازين مار) ﴿إِنَّكَ مِنَ الامِنِينَ﴾ من المخاوف فإنه لا يخاف لدي المرسلون كما سبق في النمل.
فإن قلت : ما الفائدة في إلقائها؟.
قلت : أن يألفها ولا يخافها عند فرعون إذا ناظره بقلب العصا وغيره من المعجزات كما في "الأسئلة المقحمة".
وفيه إشارة إلى إلقاء كل متوكأ غير الله فمن اتكأ على الله أمن ومن اتكأ على غيره وقع في الخوف.
قال في "كشف الأسرار" :(جاي ديكر كفت خذها ولا تخف يا موسى عصا مي دار ومهر عصا دردل مدار وآنرا ناه خود مكير از روى أشارت بدنيا دار ميكويد دنيا ميدار ومهر دنيا در دل مدار وآنرا ناه خود مساز) "حب الدنيا رأس كل خطيئة" ويقال : شتان بين نبينا صلى الله عليه وسلّم وبين موسى عليه السلام رجع من سماع الخطاب وأتى بثعبان سلطه على عدوه ونبينا عليه السلام أسرى به إلى محل الدنو فأوحى إليه ما أوحى ورجع أتى لأمته بالصلاة التي هي المناجاة فقيل له : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٣