﴿وَجَعَلْنَـاهُمْ﴾ أي صيرنا فرعون وقومه في عهدهم ﴿أَاـاِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ أي ما يؤدي إليها من الكفر والمعاصي أي قدوة يقتدي بهم أهل الضلال فيكون عليهم وزرهم ووزر من تبعهم ﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ لا يُنصَرُونَ﴾ بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه.
﴿وَأَتْبَعْنَـاهُمْ فِى هَـاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ طرداً وإبعاداً من الرحمة أو لعناً من اللاعنين لا تزال تلعنهم الملائكة والمؤمنون خلفاً عن سلف.
وبالفارسية (وبر يي ايشان يوستيم درين جهان لعنت ونفرين) ﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ يوم متعلق بالمقبوحين على أن اللام للتعريف لا بمعنى الذي أي من المطرودين المبعدين يقال : قبح الله فلاناً قبحاً وقبحوحاً أي أبعده من كل خير فهو مقبوح كما في "القاموس" وغيره.
قال في "تاج المصادر" : القبح والقابحة والقباحة (زشت شدن) انتهى وعليه بنى الراغب حيث قال في "المفردات" : من المقبوحين أي من الموسومين بحالة منكرة كسواد الوجوه وزرقة العيون وسحبهم بالأغلال والسلاسل وغيرها انتهى باختصار.
قال في "الوسيط" : فيكون بمعنى المقبحين انتهى.
وفي "التأويلات النجمية" : لأن قبحهم معاملاتهم القبيحة كما أن حسن وجوه المحسنين معاملاتهم الحسنة هل
٤٠٧
جزاء الإحسان إلا الإحسان وجزاء سيئة سيئة مثلها انتهى.
ودلت الآية على أن الاستكبار من قبائحهم المؤدية إلى هذه القباحة والطرد قال عليه السلام : حكاية عن الله تعالى :"الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار" وصف الحق سبحانه نفسه بالرداء والإزار دون القميص والسراويل لكونهما غير محيطين فبعداً عن التركيب الذي هو من أوصاف الجسمانيات.
واعلم أن الكبر يتولد من الأعجاب والأعجاب من الجهل بحقيقة المحاسن والجهل رأس الانسلاخ من الإنسانية ومن الكبر الامتناع من قبول الحق ولذا عظم الله أمره فقال :﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى الارْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (الأحقاف : ٢٠) وأقبح كبر بين الناس ما كان معه بخل ولذلك قال عليه السلام :"خلصتان لا تجتمعان في مؤمن البخل والكبر" ومن تكبر لرياسة نالها دل على دناءة عنصره ومن تفكر في تركيب ذاته فعرف مبدأه ومنتهاه وأوسطه عرف نقصه ورفض كبره ومن كان تكبره لفنية فليعلم أن ذلك ظل زائل وعارية مستردة وإنما قال : بغير الحق إشارة إلى أن التكبر ربما يكون محموداً وهو التكبر والتبختر بين الصفين ولذا نظر رسول الله عليه السلام إلى أبي دجانة يتبختر بين الصفين فقال :"إن هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا المكان" وكذا التكبر على الأغنياء فإنه في الحقيقة عز النفس وهو غير مذموم قال عليه السلام :"لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه" فعلى العاقل أن يعز نفسه بقبول الحق والتواضع لأهله ويرفع قدره بالانقياد لما وضعه الله تعالى من الأحكام ويكون من المنصورين في الدنيا والآخرة ومن الذين يثني عليهم بالثناء الحسن لحسن معاملاتهم الباطنة والظاهرة نسأل الله ذلك من نعمة المتوافرة.
قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٧
بزركان نكردند درخود نكاه
خدا بيني ازخويشتن بين مخواه
بزركي بناموس وكفتار نيست
بلندي بدعوى وندار نيست
بلنديت بايد تواضع كزين
كه آن بام را نيست سلم جزاين
برين آستان عجز ومسكينيت
به از طاعات وخويشتن بينيت
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٧
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ﴾ أي التوراة ﴿مِنا بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الاولَى﴾ جمع قرن وهو القوم المقترنون في زمان واحد أي من بعد ما أهلكنا في الدنيا بالعذاب أقوام نوح وهود وصالح ولوط أي على حين حاجة إليها.
قال الراغب : الهلاك بمعنى الموت لم يذكره الله حيث يفقد الذم إلا في قوله :﴿إِنِ امْرُؤٌا هَلَكَ﴾ (النساء : ١٧٦) وقوله :﴿وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلا الدَّهْرُ﴾ (الجاثية : ٢٤) وقوله :﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِنا بَعْدِه رَسُولا﴾ (غافر : ٣٤) ﴿بَصَآاـاِرَ لِلنَّاسِ﴾ حال من الكتاب على أنه نفس البصائر وكذا ما بعده.
والبصائر جمع بصيرة وهي نور القلب الذي به يستبصر كما أن البصر نور العين الذي به تبصر.
والمعنى حال كون ذلك الكتاب أنوار القلوب بني إسرائيل تبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل حيث كانت عمياء عن الفهم والإدراك بالكلية ﴿وَهُدًى﴾ أي هداية إلى الشرائع والأحكام التي هي سبيل الله.
قال في "إنسان العيون" : التوراة أول كتاب اشتمل على الأحكام والشرائع بخلاف ما قبله من الكتب فإنها لم تشتمل على ذلك وإنما كانت مشتملة على الإيمان بالله وحده وتوحيده ومن ثمة قيل لها صحف وإطلاق الكتب عليها
٤٠٨


الصفحة التالية
Icon