مجاز ﴿وَرَحْمَةً﴾ حيث ينال من عمل به رحمة الله تعالى ﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ليكونوا على حال يرجى منهم التذكر بما فيه من المواعظ.
وبالفارسية (شايدكه إيشان ند ذيرند) وفي الحديث :"ما أهلك الله قرناً ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية الذين مسخوا قردة" ألم تر أن الله تعالى قال ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا﴾ الآية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٨
﴿وَمَا كُنتَ﴾ يا محمد ﴿بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ﴾ أي : جانب الجبل أو المكان الغربي الذي وقع فيه الميقات وناجى موسى ربه على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أو الجانب الغربي على إضافة الموصوف كمسجد الجامع وعلى كلا التقديرين فجبل الطور غربي.
﴿إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الامْرَ﴾ أي : عهدنا إليه وأحكمنا أمر نبوته بالوحي وإيتاء التوراة.
﴿وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّـاهِدِينَ﴾ أي : من جملة الشاهدين للوحي وهم السبعون المختارون للميقات حتى تشاهد ما جرى من أمر موسى في ميقاته وكتب التوراة له في الألواح فتخبره للناس والمراد الدلالة على أن إخباره عن ذلك من قبل الإخبار عن المغيبات التي لا تعرف إلا بالوحي ولذلك استدرك عنه بقوله :
﴿وَلَـاكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُونًا﴾ خلقنا بين زمانك وزمان موسى قروناً كثيرة.
وبالفارسية (وليكن بيافريديم س از موسى كروهي بعد از كروهي).
﴿فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ تطاول بمعنى طال.
وبالفارسية (دراز شد) والعمر بالفتح والضم وبضمتين الحياة.
قال الراغب : اسم لمدة عمارة البدن بالحياة أي طال عليهم الحياة وتمادى الأمد والمهلة فتغيرت الشرائع والأحكام وعميت عليهم الأنبياء لا سيما على آخرهم فاقتضى الحال التشريع الجديد فأوحينا إليك فحذف المستدرك اكتفاء بذكر ما يوجبه.
﴿وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِى أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ نفي لاحتمال كون معرفته للقصة بالسماع ممن شاهد.
والثواء هو الإقامة والاستقرار أي وما كنت مقيماً في أهل مدين إقامة موسى وشعيب حال كونك.
﴿تَتْلُوا عَلَيْهِمْ﴾ أي : تقرأ على أهل مدين بطريق التعلم منهم (نانه شاكردان براستادان خوانند) وهو حال من المستكن في ثاوياً أو خبر ثانٍ لكنت.
﴿ءَايَـاتِنَا﴾ الناطقة بالقصة ﴿وَلَـاكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ إياك وموحين إليك تلك الآيات ونظائرها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٨
﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ أي : وقت ندائنا موسى إني أنا الله رب العالمين واستنبائنا إياه وأرسلنا له إلى فرعون والمراد جانب الطور الأيمن كما قال :﴿وَنَـادَيْنَـاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الايْمَنِ﴾ (مريم : ٥٢) ولم يذكر هنا احترازاً عن إيهام الذم فإنه عليه السلام لم يزل بالجانب الأيمن من الأزل إلى الأبد ففيه إكرام له وأدب في العبارة معه.
﴿وَلَـاكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ أي : ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بما ذكر رحمة عظيمة كائنة منا لك وللناس.
﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا﴾ متعلق بالفعل المعلل بالرحمة ﴿مَّآ أَتَـاـاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ صفة قوماً أي لم يأتهم نذير لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى وهي خمسمائة وخمسون سنة أو بينك وبين إسماعيل على أن دعوة موسى وعيسى مختصة ببني إسرائيل.
﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ يتعظون بإنذارك وتغيير الترتيب الوقوعي بين قضاء الأمر والثواء في أهل مدين والنداء للتنبيه على أن كلاً من ذلك برهان مستقل على أن حكايته عليه السلام للقصة بطريق الوحي الإلهي ولو ذكر أولاً نفي ثوائه عليه السلام في أهل مدين ثم نفى حضوره عليه السلام عند قضاء
٤٠٩
الأمر كما هو الموافق للترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل دليل واحد كما في "الإرشاد" ثم من التذكير تجديد العهد الأزلي وذلك بكلمة الشهادة وهي سبب النجاة في الدارين.


الصفحة التالية
Icon