وفيه إشارة إلى كمال فنائه عن أنانيته وبقائه بهوية الحق تعالى وله مسلم أن يقول أنا الحق وإن صدرت هذه الكلمة عن بعض متابعيه فلا غرو أن يكون من كمال صفاء مرآة قلبه في قبول انعكاس أنوار ولاية النبوة إذا كانت محاذية لمرآة قلبه عليه السلام وكان منبع ماء هذه الحقيقة قلب محمد عليه السلام ومظهره لسان هذا القائل بتبعيته لقد كان لكلم في رسول الله أسوة حسنة كذا في "التأويلات النجمية" ﴿قَالُوا﴾ تعنتاً واقتراحاً قال بعضهم : قاله قريش بتعليم اليهود ﴿لَوْلا﴾ هلا ﴿أُوتِىَ﴾ محمد ﴿مِثْلَ مَآ أُوتِىَ مُوسَىا﴾ من الكتاب جملة لا مفرقاً.
قال بعض الكبار : احتجبوا بكفرهم عن رؤية كماليته عليه السلام وإلا لقالوا لولا أوتي موسى مثل ما أوتي محمد من الكمالات.
﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَآ أُوتِىَ مُوسَى مِن قَبْلُ﴾ أي : أو لم يكفروا من قبل هذا بما أوتي موسى من الكتاب كما كفروا بهذا الحق ثم بين كيفية كفرهم فقال :﴿قَالُوا﴾ هما، أي ما أوتي محمد وما أوتي موسى عليهما السلام ﴿سِحْرَانِ تَظَـاهَرَا﴾ أي تعاونا بتصديق كل واحد منهما الآخر وذلك أن قريشاً بعثوا رهطاً منهم إلى رؤساء اليهود في عيد لهم فسألوهم عن شأنه عليه السلام فقالوا : إنا نجده في التوراة بنعته وصفته فلما رجع الرهط وأخبروهم بما قالت اليهود قالوا ذلك ﴿وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ﴾ أي : بكل واحد من الكتابين ﴿كَـافِرُونَ﴾ وقال بعضهم : المعنى أو لم يكفر أبناء جنسهم في الرأي والمذهب وهم القبط بما أوتي موسى من قبل القرآن قالوا : إن موسى وهارون سحران أي ساحران تظاهرا وقالوا : إنا بكل كافرون.
يقول الفقير : إنه وإن صح إسناد الكفر إلى أبناء الجنس من حيث أن ملل الكفر واحدة في الحقيقة فكفر ملة واحدة بشيء في حكم كفر الملل الآخر به كما أسند أفعال الآباء إلى الأبناء من حيث رضاهم بما فعلوا لكن يلزم على هذا أن يخص ما أوتي موسى بما عدا
٤١١
الكتاب من الخوارق فإن إيتاء الكتاب إنما كان بعد إهلاك القبط على أن مقابلة القرآن بما عدا التوراة مع أن ما أوتي إنما يدل بإطلاقه على الكتاب مما لا وجه له فالمعنى الأول هو الذي يستدعيه جزالة النظم الكريم ويدل عليه صريحاً قوله تعالى :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٠
﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار الذين يقولون هذا القول.
﴿ائْتُوا﴾ (س بياريد) ﴿بِكِتَـابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى﴾ بطريق الحق.
وبالفارسية (رياست ترراه نماينده تر).
﴿مِنْهُمَآ﴾ أي مما أوتياه من التوراة والقرآن وسميتموهما بسحرين ﴿أَتَّبِعْهُ﴾ جواب للأمر أي إن تأتوا به أتبعه ومثل هذا الشرط مما يأتي به من يدل وضوح حجته وسنوح محجته لأن الإتيان بما هو أهدى من الكتابين أمر بين الاستحالة فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والإفحام ﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ أي : في أنهما سحران مختلقان وفي إيراد كلمة إن مع امتناع صدقهم نوع تهكم بهم.
﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾ دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى ولن يستجيبوا كقوله : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا وحذف المفعول وهو دعائك للعلم به ولأن فعل الاستجابة يتعدى بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي فإذا عدي إليه حذف الدعاء غالباً.
﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ﴾ الزائغة من غير أن يكون لهم متمسك أصلاً إذ لو كان لهم ذلك لأتوا به.
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاـاهُ﴾ استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا أضل منه أي هو أضل من كل ضال.
ومعنى أضل بالفارسية :(كراه تر) ﴿بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾ أي بيان وحجة وتقييد اتباع الهوى بعدم الهدى من الله لزيادة التقرير والإشباع في التشنيع والتضليل وإلا فمقارنته لهدايته تعالى بينة الاستحالة.
وقال بعضهم : هوى النفس قد يوافق الحق فلذا قيد الهوى به فيكون في موضع الحال منه ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ﴾ لا يرشد إلى دينه الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى والإعراض عن الآيات الهادية إلى الحق المبين.
وههنا إشارات :
منها أن الطريق طريقان طريق القراءة والدراسة والسماع والمطالعة وطريق الرياضة والمجاهدة والتزكية والتحلية وهي أهدى إلى الحضرة الأحدية من الطريق الأولى كما قال تعالى :"من تقرب إليّ شبراً" أي بحسب الانجذاب الروحاني "تقربت إليه ذراعاً" أي بالفيض والفتح والإلهام والكشف فما لا يحصل بطريق الدراسة من الكتب يحصل بطريق السلوك والسماع في طريق الدراسة من المخلوق في طريق الوراثة من الخالق وشتان بين السماعين :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٠
يفضى كه جامي ازدوسه يمانهْ كه يافت
مشكل كه شيخ شهر بيابد بصد له


الصفحة التالية
Icon