﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ﴾ وما كانت عادته في زمان ﴿مُهْلِكَ الْقُرَى﴾ قبل الإنذار ﴿حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا﴾ أي في أصلها وأعظمها التي تلك القرى سوادها وأتباعها وخص الأصل والأعظم لكون أهلها أفطن وأشرف والرسل إنما بعثت غالباً إلى الأشراف وهم غالباً يسكنون المدن والقصبات ﴿رَسُولا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـاتِنَا﴾ الناطقة بالحق ويدعوهم إليه بالترغيب والترهيب وذلك لإلزام الحجة وقطع المعذرة بأن يقولوا : لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٨
وفي "التكملة" : الأم هي مكة، والرسول محمد صلى الله عليه وسلّم وذلك لأن الأرض دحيت من تحتها فيكون المعنى وما كان ربك يا محمد مهلك البلدان التي هي حوالي مكة في عصرك وزمانك حتى يبعث في أمها أي أم القرى التي هي مكة رسولاً هو أنت.
﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى﴾ بالعقوبة بعد بعثنا في أمها رسولاً يدعوهم إلى الحق ويرشدهم إليه في حال من الأحوال.
﴿إِلا وَأَهْلُهَا ظَـالِمُونَ﴾ أي حال كون أهلها ظالمين بتكذيب رسولنا والكفر بآياتنا فالبعث غاية لعدم صحة الإهلاك بموجب السنة الإلهية لا لعدم وقوعه حتى يلزم تحقق الإهلاك عقيب البعث.
دلت الآية على أن الظلم سبب الهلاك ولذا قيل : الظلم قاطع
٤١٨
الحياة ومانع النبات وكذا الكفران يقال : النعم محتاجة إلى الأكفاء كما تحتاج إليها الكرائم من النساء وأهل البطر ليسوا من أكفاء النعم كما أن الأرذال ليسوا أكفاء عقائل الحرم جمع عقيلة وعقيلة كل شيء أكرمه وحرم الرجل أهله فكما أن الكريمة من النساء ليست بكفؤ للرذيل من الرجال فيفرق بينهما للحوق العار فكذا النعمة تسلب من أهل البطر والكبر والغرور والكفران وأما أهل الشرك فلا يضيع سعيهم بل يزداد حسن حالهم ولله تعالى رزق واسع في البلاد ولا فرق فيه بين الشاكر والكفور من العباد كما قال الشيخ سعدي :
أديم زمين سفره عام أوست
برين خوان يغماه دشمن ه دوست
قال الشيخ عبد الواحد : وجدنا في جزيرة شخصاً يعبد الأصنام فقلنا له : إنها لا تضر ولا تنفع فاعبد الله فقال : وما الله؟ قلنا : الذي في السماء عرشه وفي الأرض بطشه قال : ومن أين هذا الأمر العظيم؟ قلنا : أرسل إلينا رسولاً كريماً فلما أدى الرسالة قبضه الله إليه وترك عندنا كتاب الملك ثم تلونا سورة فلم يزل يبكي حتى أسلم فعلمناه شيئاً من القرآن فلما صار الليل أخذنا مضاجعنا فكان لا ينام فلما قدمنا عبادان جمعنا له شيئاً لينفقه فقال : هو لم يضيعني حين كنت أعبد الصنم فكيف يضيعني وأنا الآن قد عرفته أي والعارف محبوب فهو إذا لا يترك المحبوب في يد العدو ومن العدو الفقر الغالب والألم الحاصل منه.
محالست ون دوست دارد ترا
كه دردست دشمن كذارد ترا
فعلى العاقل أن يعرف الله تعالى ويعرف قدر النعمة فيقيدها بالشكر ولا يضع الكفر موضع الشكر فإنه ظلم صريح يحصل منه الهلاك مطلقاً إما للقلب فبالإعراض عن الله ونسيان أن العطاء منه وإما للقالب فبالبطش الشديد وكم رأينا في الدهر من أمثاله من خرب قلبه ثم خرب داره ووجد آخر الأمر بواره ولكن الإنسان من النسيان لا يتذكر ولا يعتبر بل يمضي على حاله من الغفلة أيقظنا الله وإياكم من نوم الغفلة في كل لحظة وشرفنا في جميع الساعات باليقظة الكاملة المحضة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٨
﴿وَمَآ﴾ مبتدأ متضمنة لمعنى الشرط لدخول الفاء في خبرها بخلاف الثانية.
وبالفارسية (وهره).
﴿أُوتِيتُم﴾ أعطيتم والخطاب لكفار مكة كما في "الوسيط" ﴿مِّن شَىْءٍ﴾ من أسباب الدنيا ﴿فَمَتَـاعُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا﴾ أي : فهو شيء شأنه أن يتمتع ويتزين به أياماً قلائل ثم أنتم وهو إلى فناء وزوال سمى منافع الدنيا متاعاً لأنها تفنى ولا تبقى كمتاع البيت.
﴿وَمَآ﴾ موصولة أي الذي حصل.
﴿عِندَ اللَّهِ﴾ وهو الثواب ﴿خَيْرٍ﴾ لكم في نفسه من ذلك لأنه لذة خالصة من شوائب الألم وبهجة كاملة عارية من مسة الهمم.
﴿وَأَبْقَىا﴾ لأنه أبديّ ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ أي : ألا تتفكرون فلا تعقلون هذا الأمر الواضح فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وتؤثرون الشقاوة الحاصلة من الكفر والمعاصي على السعادة المتولدة من الإيمان والطاعات.
وبالفارسية (آيادر نمي يابيد وفهم نمي كنيدكه بدل ميكنيد باقي را بفاني ومرغوب را بميعوب).
حيف باشد لعل وزردادن زنك
س كرفتن در برابر خاك وسنك
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٨
﴿أَفَمَن﴾ موصولة مبتدأ ﴿وَعَدْنَـاهُ﴾ على إيمانه وطاعته ﴿وَعْدًا حَسَنًا﴾ هو الجنة
٤١٩
وثوابها فإن حسن الوعد بحسن الموعود.


الصفحة التالية
Icon