الرحمة والمنحة لا حجاب الزحمة والمحنة وذلك من جملة ما كان النبي عليه السلام محمياً به إذ كان يقول :"إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله كل يوم سبعين مرة" وذلك غاية اللطف والرحمة والحجاب ما يكون محجوباً به عن الحق تعالى وذلك من غاية القهر والعز كما قال في المقهورين :﴿كَلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَـاـاِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ (المطففين : ١٥) والجبل لم يستقر مكانه عند سطوة تجلي صفة الربوبية وجعله دكاً وخر موسى مع قوة نبوته صعقاً وذلك التجلي في أقل مقدار طرفة عين فلو دام كيف يعيش الإنسان الضغيف.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٦
﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ﴾ منصوب باذكر أي واذكر يا محمد يوم ينادي الله المشركين ﴿فَيَقُولُ﴾ توبيخاً لهم ﴿أَيْنَ﴾ (كجا ند) ﴿شُرَكَآءِىَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أنهم لي شركاء وهو تقريع بعد تقريع للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك كما لا شيء أدخل في مرضاة الله من توحيده.
﴿وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ﴾ نزع الشيء جذبه من مقره كنزع القوس من كبده وعطف على يناديهم وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق ولا التفات لإبراز كمال الاعتناء بشأن النزع أي أخرجنا من كل أمة من الأمم ﴿شَهِيدًا﴾ بالفارسية :(كواه) وهو نبيهم يشهد عليهم بما كانوا عليه من الخير والشر.
وقال بعضهم : يشهد عليهم وعلى من بعدهم كما جاء في الحديث أن أعمال الأمة تعرض على النبي عليه السلام ليلة الاثنين والخميس.
وقال بعضهم : عنى بالشهيد العدول من كل أمة وذلك أنه سبحانه لم يخل عصراً من الأعصار عن عدول يرجع إليهم في أمر الدين ويكونون حجة على الناس يدعونهم إلى الدين فيشهدون على الناس بما عملوا من العصيان ﴿فَقُلْنَا﴾ لكل من الأمم ﴿هَاتُوا﴾ (بياريد) وأصله آتوا وقد سبق.
﴿بُرْهَـانَكُمْ﴾ على صحة ما كنتم تدعون من الشريك ﴿فَعَلِمُوا﴾ يومئد ﴿أَنَّ الْحَقَّ﴾ في الإلهية لا يشاركه فيها أحد.
﴿وَضَلَّ عَنْهُم﴾ أي : غاب غيبة الضائع ﴿مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ في الدنيا من الباطل وهو ألوهية الأصنام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٨
واعلم أن الشريك لا ينحصر في عبادة الأصنام الظاهرة بل الأنداد ظاهرة وباطنة.
فمنهم : من صنمه نفسه.
ومنهم : من صنمه زوجته حيث يحبها محبة الله ويطيعها إطاعة الله ومنهم : من صنمه تجارته فيتكل عليها ويترك طاعة الله لأجلها فهذه كلها لا تنفع يوم القيامة.
حكي : أن مالك بن دينار رحمه الله كان إذا قرأ في الصلاة إياك نعبد وإياك نستعين غشي عليه فسئل فقال : نقول : إياك نعبد ونعبد أنفسنا أي نطيعها في أمرها ونقول : إياك نستعين ونرجع إلى أبواب غيره.
روي : أن زكريا عليه السلام لما هرب من اليهود بعد أن قتل يحيى عليه السلام وتوابعه تمثل له الشيطان في صورة الراعي وأشار إليه بدخول الشجرة فقال زكريا للشجرة : اكتميني فانشقت فدخل فيها وأخرج الشيطان هدب ردائه ثم أخبر به اليهود فشقوا الشجرة بالمنشار فهذا الشق إنما وقع له لالتجائه إلى الشجرة والشرك أقبح جميع السيئات كما أن التوحيد أحسن الحسنات وقد ورد أن الملائكة المقربين تنزل لشرف الذكر كما روى أن يوسف عليه السلام لما ألقي في الجب ذكر الله تعالى بأسمائه الحسنى فسمعه جبريل فقال : يا رب أسمع صوتاً حسناً في الجب فأمهلني ساعة فقال الله تعالى : ألستم قلتم أتجعل فيها من يفسد فيها وكذلك إذا اجتمع المؤمنون على ذكر الله مراعين لآدابه الظاهرة والباطنة تقول الملائكة : إلهنا أمهلنا نستأنس بهم فيقول الله تعالى : ألستم قلتم أتجعل فيها من يفسد فيها فالآن تتمنون الاستئناس
٤٢٨
بهم وفي الحديث :"لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى" قبل يا رسول الله من الذي أبى قال :"من لم يقل لا إله إلا الله" فينبغي الاشتغال بكلمة التوحيد قبل الموت وهي عروة الوثقى وهي ثمن الجنة وهي التي يشهد بها جميع الأشياء :
هست هرذره بوحدت خويش
بيش عارف كواه وحدت او
اك كن جامه ازغبار دويي
لوح خاطر كه حق يكيست نه دو
والوصول إلى هذا الشهود والتوحيد الحقيقي إنما هو بخير الأذكار أي بالاشتغال به آناء الليل وأطراف النهار.
قال الشيخ المغربي :
تخست ديده طلب كن س آنكهي ديدار
ازانكه ياركند جلوه براولوا الأبار
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٨


الصفحة التالية
Icon