﴿إِنَّ قَـارُونَ﴾ اسم أعجمي كهارون فلذلك لم ينصرف ﴿كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى﴾ كان ابن عمه يصهر بن قاهش بن لاوي بن يعقوب وموسى بن عمران ابن قاهش وكان ممن آمن به واقرأ بني إسرائيل للتوراة وكان يسمى المنور لحسن صورته ثم تغير حاله بسبب الغنى فنافق كما نافق السامري.
﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ قال الراغب : البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه أو لم يتجاوزه وبغى تكبر وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له.
والمعنى فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره وليس ببعيد فإن كثرة المال المشار إليها بقوله :﴿إِنَّ قَـارُونَ كَانَ﴾ الآية سبب للبغي وأمارة بغيه الإباء والاستكبار والعجب والتمرد عن قبول النصيحة وكان يجر ثوبه كبراً وخيلاء وفي الحديث :"لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء" وكان يستخف بالفقراء ويمنع عنهم الحقوق وفي الحديث :"اتخذوا الأيادي عند الفقراء قبل أن تجيء دولتهم" أي : فإن لهم دولة عظيمة يوم القيامة يصل أثرها إلى من أطعمهم لقمة أو سقاهم شربة أو كساهم خرقة أو نحو ذلك فيأخذون بأيديهم ويدخلون الجنة بأمر الله تعالى.
قال أهل العلم بالأخبار : كان أول طغيانه وعصيانه أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أنه يأمر بني إسرائيل أن يعلقوا في أرديتهم خيوطاً أربعة خضراً في كل طرف خيط على لون السماء قال موسى : يا رب ما الحكمة فيه؟ قال : يذكرون إذا رأوها أن كلامي نزل من السماء ولا يغفلون عني وعن كلامي والعمل به قال موسى : أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضراً فإنهم يحقرون هذه الخيوط؟ فقال : يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير فإنهم إن لم يطيعوني في الصغير لم يطيعوني في الكبير فأمرهم ففعلوا وامتنع قارون وقال : إنما يفعل هذا الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا من غيرهم فكان هذا ابتداء بغيه ولما عبروا البحر جعلت حبورة القربان وهي رياسة المذبح في هارون.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٩
قال في "كشف الأسرار" :(در رياست مذبح آن بودكه بني إسرائيل قربان كه مي كردند بر طريق تعبد يش هارون مي بردند وهارون بر مذبح مي نهاد تا آإتش از اسمان فرود آمدي وبركر فتى) فحسده قارون وقال : يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء وأنا أقرأ بني إسرائيل للتوراة ليس لي على هذا صبر فقال موسى : ما أنا جعلتها في هارون بل الله جعلها من فضله قال قارون : والله لا أصدقك في ذلك حتى تريني آية تدل عليه فأمر موسى رؤساء بني إسرائيل بوضع عصيهم في القبة التي
٤٢٩
الله فيها وينزل الوحي عليه ففعلوا وباتوا يحرسونها وأصبحوا فإذا بعصا هارون مورقة خضراء أي صارت بحيث لها ورق أخضر وكانت من شجرة اللوز فلما رأها قارون على تلك الحالة العجيبة قال : والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر واعتزل موسى وتبعه طائفة من بني إسرائيل وجعل موسى يداريه لما بينهما من القرابة وهو لا يلتفت إليه بل يؤذيه ولا يزيد إلا تجبراً وبغياً ﴿وَءَاتَيْنَـاهُ﴾ أي قارون ﴿مِنَ الْكُنُوزِ﴾ أي الأموال المدخرة.
قال الراغب : الكنز جمع المال بعضه فوق بعض وحفظه من كنزت التمر في الوعاء انتهى.
والفرق بين الركاز والمعدن والكنز أن الركاز هو المال المركوز في الأرض مخلوقاً كان أو موضوعاً والمعدن ما كان مخلوقاً والكنز ما كان موضوعاً ﴿مَّآ﴾ موصولة أي الذي ﴿إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ جمع مفتح بالكسر ما يفتح به أي مفاتح صناديقه ﴿لَتَنُواأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِى الْقُوَّةِ﴾ خبر أن والجملة صلة ما وهو ثاني مفعولي آتينا.
وناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله فالباء للتعدية والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة.
وفي "المفردات" : جماعة معصبة أي متعاضدة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon