وعن ابن عباس رضي الله عنهما : العصبة في هذا الموضع أربعون رجلاً وخزائنه كانت أربعمائة ألف يحمل كل رجل منهم عشرة آلاف مفتاح.
والمعنى لتثقلهم وتميل بهم إذا حملوها لثقلها.
وبالفارسية (برداشتن آن مفاتح كران ميكند مردمان بانيروي را يعني مردمان از كران باري بجانبي ميل ميكنند) وقال بعضهم : وجدت في الإنجيل أن مفاتح خزائن قارون وقرستين بغلاً ما يزيد منها مفتح على أصبع لكل مفتح كنز ويقال كان قارون أينما ذهب يحمل معه مفاتح كنوزه وكانت من حديد فلما ثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع ﴿إِذْ قَالَ لَه قَوْمُهُ﴾ منصوب بتنوء يعني موسى وبني إسرائيل وقيل : قاله موسى وحده بطريق النصيحة ﴿لا تَفْرَحْ﴾ (شادي مكن بمال دنيا) والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية والفرح في الدنيا مذموم مطلقاً لأنه نتيجة حبها والرضى بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح حتماً ولذا قال تعالى :﴿لِّكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَآ ءَاتَـاـاكُمْ﴾ (الحديد : ٢٣) ولم يرخص في الفرح إلا في قوله :﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِه فَبِذَالِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ (يونس : ٥٨) وقوله :﴿وَيَوْمَـاـاِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ (الروم : ٤، ٥) وعلل النهي ههنا بكونه مانعاً منه محبة الله تعالى كما قال :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ أي بزخارف الدنيا فإن الدنيا مبغوضة عند الله تعالى :
دنياي دني يشت سراي ستمي
افكنده هزار كشته درهر قدمي
كردست دهد كداي شادي نكند
ورفوت شود نيز نيرزد بغمي
وإنما يحب من يفرح بإقامة العبودية وطلب السعادة الأخروية.
﴿وَابْتَغِ﴾ أي : طلب ﴿فِيمَآ ءَاتَـاـاكَ اللَّهُ﴾ من الغنى لم يقل بما آتاك الله لأنه لم يرد بمالك وإنما أراد وابتغ في حال تملكك وفي حال قدرتك بالمال والبدن كما في "كشف الأسرار" ﴿الدَّارُ الاخِرَةُ﴾ أي ثواب الله فيها بصرفه إلى ما يكون وسيلة إليه من مواساة الفقراء وصلة الرحم وفك الأسير ونحوها من أبواب الخير.
٤٣٠
بدنيا تواني كه عقبى خرى
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٩
بخرجان من ورثه حسرت خورى
﴿وَلا تَنسَ﴾ أي لا تترك ترك المنسي.
قال في "المفردات" : النسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع إما لضعف قلبه وإما عن غفلة أو عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره ﴿نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ وهو أن تحصل بها آخرتك أو تأخذ منها ما يكفيك وتخرج الباقي.
وعن علي رضي الله عنه : لا تنس صحتك وقوتك وشبابك وغناك وفي ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لرجل وهو يعظه :"اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك".
وقال الكاشفي :(وفراموش مكن بهره خودرا ازمال دنيا بعني نصيب تو دروقت رحلت ازين جهان كفني خواهد بود وس ازان حال برانديش وبمال ومنال غره مشو).
كرملك توشام تايمن خواهد بود
وزسرحد روم تاختن خواهد بود
آنروز كزين جهان كني عزم سفر
همراه توند كزكفن خواهد بود
قال الشيخ سعدي قدس سره :
اكرا هلواني اكر تيغ زن
نخواهي بدر بردن الأكفن
وقال بعض العارفين : نصيب العارف من الدنيا ما أشار إليه عليه السلام بقوله :"حبب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة" ففي الطيب الرائحة الطيبة وفي النساء الوجه الحسن وفي الصلاة فرح القلب وقد سبق غير هذا ﴿وَأَحْسِن﴾ إلى عباد الله ﴿كَمَآ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ فيما أنعم به عليك.
قال الشيخ سعدي قدس سره :
توانكري ودل دوست كامرانت هست
بخور ببخش كه دنيا وآإخرت بردى
وقال :
اكر كنج قارون بنك آورى
نماند مكر آنكه بخشى برى
﴿وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ﴾ نهى له عما كان عليك من الظلم والبغي.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ﴾ في أرض الروحانية بما آتاك الله من الاستعداد الإنساني باستعماله في مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة فإنه يفسد الاستعداد الروحاني والإنساني ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ لسوء أفعالهم بل يحب المصلحين لحسن أعمالهم وقد اختار من عباده الأبدال فإنهم يجعلون بدل الجهل العلم وبدل الشح الجود وبدل الشره العفة وبدل الظلم العدالة وبدل الطيش التؤدة وبدل الفساد الصلاح فالإنسان إذا صار من لأبدال فقد ارتقى إلى درجة الأحباب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon