جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٦
﴿تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ﴾ إشارة تعظيم كأنه قيل : تلك الجنة التي سمعت خبرها وبلغك وصفها والدار صفة والخبر قوله :﴿نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الأرْضِ﴾ أي ارتفاعاً وغلبة وتسلطاً كما أراد فرعون حيث قال تعالى في أول السورة :﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرْضِ﴾ (يونس : ٨٣) ﴿وَلا فَسَادًا﴾ أي ظلماً وعدواناً على الناس كما أراد قارون حيث قال تعالى في حقه على لسان الناصح.
﴿وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ﴾ (القصص : ٧٧) وفي تعليق الوعد بترك إرادتهما لا بترك أنفسهما مزيد تحذير منهما.
﴿وَالْعَـاقِبَةُ﴾ الحميدة.
وبالفارسية (سر انجام نيكو) ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي : للذين يتقون العلو والفساد وما لا يرضاه الله من الأقوال والأفعال.
وعن علي رضي الله عنه أن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها يعني أن من تكبر بلباس يعجبه فهو ممن يريد علواً في الأرض.
وعن علي رضي الله عنه أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو والٍ يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ :﴿تِلْكَ الدَّارُ﴾ إلخ ويقول : نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل المقدرة من سائر الناس.
وعن عمر بن عبد العزيز كان يردد هذه الآية حتى قبض وكان عليه السلام يحلب الشاة ويركب الحمار ويجيب دعوة المملوك ويجالس الفقراء والمساكين.
قال بعض الكبار : احذر أن تريد في الأرض علواً أو فساداً والزم الذل والانكسار والخمول فإن أعلى الله كلمتك فما أعلاها إلا الحق وذلك أن يرزقك الرفعة في قلوب الخلق وإيضاح ذلك أن الله ما أنشأك إلا من الأرض فلا ينبغي لك أن تعلو على أمك واحذر أن تتزهد أو تتعبد أو تتكرم وفي نفسك استجلاب ذلك لكونه يرفعك على أقرانك فإن ذلك من إرادة العلو في الأرض وما استكبر مخلوق على آخر إلا لحجابه عن معية مع الحق ذلك المخلوق الآخر ولو شهدها لذلك وخضع.
قال في "كشف الأسرار" :(فردا درساري عزت ساكنان مقعد صدق ومقربان حضرت جبروت قومي باشندكه در دنيا برتري ومهتري نجويند وخودرا ازهمه كس كهتر وكمثردانند وشم سند هركز درخود ننكرد نانكه آن جوانمرد طريقت كفت كه از موقف عرفات بازكشته بود أورا كفتند) كيف رأيت أهل الموقف قال : رأيت قوماً لولا أني كنت فيهم لرجوت أن يغفر الله لهم.
قال الشيخ سعدي :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٦
بزركي كه خودرا ز خرادن شمرد
بدنيي وعقبى زركي ببرد
تو آنكه شوي يش مردم عزيز
كه مر خويشتن را نكيري بيز
(يكي اتز بزركان دين إبليس را يديد كفت مارا ندي ده كفت مكو من تانشوي ون من شيخ حيف كفت مني بيفكندن درشريعت زندقه است ومنى اثبات كردن درحقيقت شرك است جون در مقام شريعت باشي همي كوي كه اوخود همه از وشريعت تعاليست وحقيقت أحوال أقوام أفعال بتو ونظام أحوال با و).
قال بعضهم : العلو النظر إلى النفس والفساد النظر إلى الدنيا والدنيا خمر إبليس من شرب منها شربة لا يفيق إلا يوم القيامة ويقال : العلو الخطرات في القلب والفساد في الأعضاء فمن كان في قلبه حب الرياسة والجاه وحظوظ النفس
٤٣٨
وفي أعماله الرياء والسمعة فهو لا يصل إلى مقام القرب وكذا من كان في قلبه سوء العقيدة وفي جوارحه عبادة غير الله والدعوة إليها وأخذ الأموال وكسر الأعراض واستحلال المعاصي فهو لا يصل إلى الجنة أيضاً وهو قرين الشيطان والشياطين في النار مع قرنائهم.
واعلم أن العلو في أرض البشرية علو الفراعنة والجبابرة والأكاسرة والعلو في أرض الروحانية علو الأبالسة وبعض الأرواح الملكية مثل هاروت وماروت وكلاهما مذموم وكذا الفساد النظر إلى غير الله فالله تعالى لا يجعل مملكة عالم الغيب والملكوت إلا في تصرف من خلص من طلب العلو والنظر إلى الغير بنظر المحبة وسلم التصرف كله إلى المالك الحقيقي وخرج من البين.
هره خواخي بكن كه ملك تراست
جعلنا الله وإياكم من الآخذين بذيل حقيقة التقوى وعصمنا من الاعتراض والانقباض والدعوى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٦
﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ (هركجا بيارد خصلت نيكو در روز قيامت) ﴿فَلَهُ﴾ بمقابلتها ﴿خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ ذاتاً ووصفاً وقدراً أما الخيرية ذاتاً فظاهرة في أجزية الأعمال البدنية لأنها أعراض وأجزيتها جواهر وكذا في المالية إذ لا مناسبة بين زخارف الدنيا ونفائس الآخرة في الحقيقة وأما وصفاً فلأنها أبقى وأنقى من الآلام والأكدار وأما قدراً فللمقابلة بعشر أمثالها لا أقل يعني أنه يجازي بالحسنة الواحدة عشراً فيكون الواحد ثواباً مستحقاً والتسعة تفضلاً وجوداً والتسعة خير من الواحد من ذلك الجنس.


الصفحة التالية
Icon