وقال بعضهم : الحسنة المعرفة وما هو خير منها هو الرؤية.
أو الإعراض عما سوى الله وما هو خير منه هو مواهب الحق تعالى لأن الإعراض مضاف إلى الفاني ومتعلق بالمخلوق والمواهب مضافة إلى الباقي ومتعلقة بالقديم.
﴿وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ كالشرك والرياء والجهل ونحوها ﴿فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾ وضع فيه الظاهر موضع الضمير لتهجين حالهم بتكرير إسناد السيئة إليهم وفائدة هذه الصورة انزجار العقلاء عن ارتكاب السيئات.
هره در شرع وعقل بد باشد
نكند هركه باخرد باشد
﴿إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ إلا مثل ما كانوا يعملون فحذف المثل وأقيم مقامه ما كانوا يعملون مبالغة في المماثلة أخبر تعالى أن السيئة لا يضاعف جزاؤها فضلاً منه ورحمة ولكن يجزي عليها عدلاً فليجتنب العبد عما نهت عنه الفتوى والتقوى إذ لكل نوع من السيئة نوع من الجزاء عاجلاً وآجلاً.
وفي "المثنوي" :
هره برتو آيد از ظلمات وغم
آن زبى شرمى وكستايست هم
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٩
حكي : عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله : أنه كان بمكة فاشترى من رجل تمراً فإذا هو بتمرتين في الأرض بين رجليه ظن أنهما من الذي اشتراه فرفعهما وأكلهما وخرج إلى بيت المقدس وفيه قبة تسمى الصخرة فدخلها وسكن فيها يوماً وكان الرسم أن يخرج منها من كان فيها لتخلو للملائكة فأخرج بعد العصر من كان فيها فانحجب إبراهيم ولم يروه فبقي الليلة فيها ودخل الملائكة فقالوا : ههنا حس آدمي وريحه قال واحد منهم : هو إبراهيم بن أدهم زاهد
٤٣٩
خراسان وقال آخر : الذي يصعد منه كل يوم إلى السماء عمل متقبل قال : نعم غير أن طاعتة موقوفة منذ سنة ولم تستجب دعوته منذ سنة لمكان التمرتين عليه قال : ثم نزلت الملائكة واشتغلوا بالعبادة حتى طلع الفجر ورجع الخادم وفتح القبة وخرج إبراهيم وتوجه إلى مكة وجاء إلى باب ذلك الحانوت فإذا هو بفتى يبيع التمر فسلم عليه وقال : كان ههنا شيخ في العام الأول فأخبره أنه كان والدي فارق الدنيا فقص إبراهيم قصة التمرتين فقال الفتى : جعلتك في حل من نصيبي وأنت أعلم في نصيب أختي ووالدتي؟ قال : فأين أختك ووالدتك قال : هما في الدار فجاء إبراهيم إلى الباب وقرعه فخرجت عجوز متكئة على عصاها فسلم إبراهيم عليها وأخبرها القصة قالت : جعلتك في حل من نصيبي وكذا ابنتها فخرج إبراهيم وتوجه إلى بيت المقدس ودخل القبة فدخلت الملائكة وقالوا : هو إبراهيم وكان لا تستجاب دعوته منذ سنة غير أنه أسقط ما عليه من التمرتين فقبل الله ما كان موقوفاً من طاعته واستجاب دعوته وأعاده إلى درجته فبكى إبراهيم فرحاً وكان بعد ذلك لا يفطر إلا في كل سبعة أيام بطعام يعلم أنه حلال.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن جزاء السيئات على حسب ما يعملون من السيئات فإن كانت السيئة الشرك بالله فجزاؤه النار إلى الأبد وإن كانت المعاصي فجزاؤها العذاب بقدر المعاصي صغيرها وكبيرها وإن كانت حب الدنيا وشهواتها فجزاؤه الحرمان من نعيم الآخرة بحسبها وإن كانت طلب الجاه والرياسة والسلطنة الدنيوية فجزاؤه الذلة والصغار ونيل الدركات وإن كانت طلب نعيم الآخرة ورفعة الدرجات فجزاؤه الحرمان من الكمالات وكشف شواهد الحق تعالى وإن كانت التلذذ بفوائد العلوم واستحلاء المعاني المعقولة فجزاؤه الحرمان من كشوف العلوم والمعارف الربانية وإن كانت ببقاء الوجود فجزاؤه الحرمان من الفناء في الله والبقاء بالله بتجلي صفات الجمال والجلال انتهى كلامه قدس سره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٩
﴿إِنَّ الَّذِى﴾ أي : إن الله الذي ﴿فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ﴾ أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل به.
﴿لَرَآدُّكَ﴾ أي : بعد الموت والرد الصرف والإرجاع ﴿إِلَى مَعَادٍ﴾ أي : مرجع عظيم يغبطك به الأولون والآخرون وهو المقام المحمود الموعود ثواباً على إحسانك في العمل وتحمل هذه المشقات التي لا تحملها الجبال.
وقال الإمام الراغب في "المفردات" : الصحيح ما أشار به أمير المؤمنين وذكره ابن عباس رضي الله عنهما : أن ذلك الجنة التي خلقه الله تعالى فيها بالقوة في ظهر آدم وأظهره منه يقال : عاد فلان إلى كذا وإن لم يكن فيه سابقاً.
وأكثر أهل التفسير على أن المراد بالمعاد مكة تقول العرب رد فلان إلى معاده يعني إلى بلده لأنه يتصرف في الأرض ثم يعود إلى بلده والآية نزلت بالجحفة بتقديم الجيم المضمومة على الحاء الساكنة موضع بين مكة والمدينة وهو ميقات أهل الشام وعليه المولى الفناري في "تفسير الفاتحة".
والمعنى لراجعك إلى مكان هو لعظمته أهل لأن يقصد العود إليه كل من خرج منه وهو مكة المشرفة وطنك الدنيوي.
وروي : أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الغار مهاجراً إلى المدينة ومعه أبو بكر رضي الله عنه عدل عن الطريق مخافة الطلب فلما أمن رجع إلى الطريق ونزل الجحفة وكانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلاً من مكة وكانت تسمى مهيعة فنزلها بنو
٤٤٠


الصفحة التالية
Icon