﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ أي : الكفر والمعاصي فإن العمل يعم أفعال القلوب والجوارح.
﴿أَن يَسْبِقُونَا﴾ أصل السبق التقدم في السير ثم تجور به في غيره من التقدم أي يفوتونا ويعجزونا فلا نقدر على مجازاتهم على مساويهم وهو سادّ مسدّ مفعولي حسب لاشتماله على مسند ومسند إليه وأم منقطعة بمعنى بل والهمزة وبل ليس لإبطال السابق لأن إنكار الحسبان الأول ليس بباطل بل للانتقال من التوبيخ بإنكار حسبانهم متروكين غير مفتونين إلى التوبيخ بإنكار ما هو أبطل من الحسبان الأول وهو حسبانهم أن يجاوزوا بسيئاتهم وهم وإن لم يحسبوا أنهم يفوتونه تعالى ولم يحدثوا نفوسهم بذلك لكنهم حيث أصروا على المعاصي ولم يتفكروا في العاقبة نزلوا منزلة من يحسب ذلك كما في قوله تعالى :﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَه أَخْلَدَهُ﴾ (الهمزة : ٣) ﴿سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي : بئس الحكم الذي يحكمونه حكمهم ذلك فحذف المخصوص بالذم.
قال الكاشفي :(درفتوحات مذكوراست كه آيامي ندارند كنهكاران ماكه به سيآت خود بر مغفرت وشمول رحمت من سبقت كيرند اين حكم ناسنديده است زيراكه رحمت من سبقت كرفته است برذنوب ايشان كه موجب غضب باشد).
كركناه تو از عدد يش است
سقت رحمتم ازان يش است
﴿مِنْ﴾ (هركه) ﴿كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَّهِ﴾ الرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة وتفسيره بالخوف لأن الرجاء والخوف متلازمان ولقاء الله عبارة عن القيامة وعن المصير إليه والمعنى يتوقع ملاقاة جزائه ثواباً أو عقاباً فليستعد لأجل الله باختياره من الأعمال ما يؤدي إلى حسن الثواب واجتنابه عما يسوقه إلى سوء العذاب.
﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ الأجل عبارة عن غاية زمان ممتد عينت لأمر من الأمور وقد يطلق على كل ذلك الزمان والأول هو الأشهر في الاستعمال أي فإن الوقت الذي عينه تعالى لذلك.
﴿لاتٍ﴾ لا محالة وكائن البتة لأن أجزاء الزمان على الانقضاء والانصرام دائماً فلا بد من إتيان الوقت المعين وإتيانه موجب لإتيان اللقاء والجزاء.
﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوال العباد ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأحوالهم من الأعمال الظاهرة والباطنة فلا يفوته شيء ما فبادروا العمل قبل الفوت.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤٧
وفي "التأويلات النجمية" : من أمّل الثواب يفرّ من أعمال تورث العذاب ويعانق المجاهدات فإنها تورث المشاهدات من مضي عمره في رجاء لقائنا فسوف نبيح النظر إلى جمالنا.
٤٤٧
عظمت همة عين
طمعت في أن تراكا
أو ما يكفي لعين
أن ترى من قد رآكا
﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأنين المشتاقين ﴿الْعَلِيمُ﴾ بحنين الوامقين الصادقين.
﴿وَمَنْ﴾ (ورهكه) ﴿جَـاهَدَ﴾ نفسه بالصبر على طاعة الله وجاهد الكفار بالسيف وجاهد الشيطان بدفع وساوسه.
والمجاهدة استفراغ الجهد بالضم أي الطاقة في مدافعة العدو ﴿فَإِنَّمَا يُجَـاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ لأن منفعتها عائدة إليها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ الْعَـالَمِينَ﴾ فلا حاجة به إلى طاعتهم ومجاهدتهم وإنما أمرهم بها رحمة عليهم لينالوا الثواب الجزيل كما قال :"خلقت الخلق ليربحوا عليّ لا لأربح عليهم" فالعاملون هم الفقراء إلى الله والمحتاجون إليه في الدارين وهو مستغن عنهم.
بري ذاتش از تهمت ضد وجنس
غني ملكش از طاعت جن وأنس
مر أورا سزد كبريا ومني
كه ملكش قد يمست وذاتش غني
نه مستغني از طاعتش ت كس
نه بر حرف أو جاي انكشت كس
قال أبو العباس المشتهر بزروق في "شرح الأسماء الحسنى" : الغني هو الذي لا يحتاج إلى شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله إذ لا يلحقه نقض ولا يعتريه عارض ومن عرف أنه الغني استغنى به عن كل شيء ورجع إليه بكل شيء وكان له بالافتقار في كل شيء وللتقرب بهذا الاسم تعلق بإظهار الفاقة والفقر إليه أبداً.
قيل لأبي حفص : بماذا يلقى الفقير مولاه؟ فقال : فهل يلقى الغني إلا بالفقر قلت : يلقاه بفقره حتى من فقره وإلا فهو مستعد بفقره ولذلك قال ابن مشيش رحمه الله للشيخ أبي الحسن : لئن لقيته بفقرك لتلقينه بالاسم الأعظم وبتمام فقره له يصح غناه عن غيره فيكون متخلقاً بالغنى.
وخاصية هذا الاسم وجود العافية في كل شيء فمن ذكره على مرض أو بلاء أذهبه الله عنه وفيه سر للغني ومعنى الاسم الأعظم لمن استأهل به انتهى.
وفي "الأحياء" يستحب أن يقول بعد صلاة الجمعة :"اللهم يا غني يا حميد يا مبدىء يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك" فيقال : من داوم على هذا الدعاء أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤٧
وفي "التأويلات النجمية" : من أمّل الثواب يفرّ من أعمال تورث العذاب ويعانق المجاهدات فإنها تورث المشاهدات من مضي عمره في رجاء لقائنا فسوف نبيح النظر إلى جمالنا.
٤٤٧
عظمت همة عين
طمعت في أن تراكا
أو ما يكفي لعين
أن ترى من قد رآكا
﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأنين المشتاقين ﴿الْعَلِيمُ﴾ بحنين الوامقين الصادقين.


الصفحة التالية
Icon