﴿وَمَنْ﴾ (ورهكه) ﴿جَـاهَدَ﴾ نفسه بالصبر على طاعة الله وجاهد الكفار بالسيف وجاهد الشيطان بدفع وساوسه.
والمجاهدة استفراغ الجهد بالضم أي الطاقة في مدافعة العدو ﴿فَإِنَّمَا يُجَـاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ لأن منفعتها عائدة إليها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ الْعَـالَمِينَ﴾ فلا حاجة به إلى طاعتهم ومجاهدتهم وإنما أمرهم بها رحمة عليهم لينالوا الثواب الجزيل كما قال :"خلقت الخلق ليربحوا عليّ لا لأربح عليهم" فالعاملون هم الفقراء إلى الله والمحتاجون إليه في الدارين وهو مستغن عنهم.
بري ذاتش از تهمت ضد وجنس
غني ملكش از طاعت جن وأنس
مر أورا سزد كبريا ومني
كه ملكش قد يمست وذاتش غني
نه مستغني از طاعتش ت كس
نه بر حرف أو جاي انكشت كس
قال أبو العباس المشتهر بزروق في "شرح الأسماء الحسنى" : الغني هو الذي لا يحتاج إلى شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله إذ لا يلحقه نقض ولا يعتريه عارض ومن عرف أنه الغني استغنى به عن كل شيء ورجع إليه بكل شيء وكان له بالافتقار في كل شيء وللتقرب بهذا الاسم تعلق بإظهار الفاقة والفقر إليه أبداً.
قيل لأبي حفص : بماذا يلقى الفقير مولاه؟ فقال : فهل يلقى الغني إلا بالفقر قلت : يلقاه بفقره حتى من فقره وإلا فهو مستعد بفقره ولذلك قال ابن مشيش رحمه الله للشيخ أبي الحسن : لئن لقيته بفقرك لتلقينه بالاسم الأعظم وبتمام فقره له يصح غناه عن غيره فيكون متخلقاً بالغنى.
وخاصية هذا الاسم وجود العافية في كل شيء فمن ذكره على مرض أو بلاء أذهبه الله عنه وفيه سر للغني ومعنى الاسم الأعظم لمن استأهل به انتهى.
وفي "الأحياء" يستحب أن يقول بعد صلاة الجمعة :"اللهم يا غني يا حميد يا مبدىء يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك" فيقال : من داوم على هذا الدعاء أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤٧
﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَنُكَفِّرَنَّ﴾ (هر آينه محو كنيم) ﴿عَنْهُمْ سَيِّـاَاتِهِمْ﴾ الكفر بالإيمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات وتكفير الاسم ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل.
قال بعضهم : التكفير إذهاب السيئة وإبطالها بالحسنة وسترها وترك العقوبة عليها ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي أحسن جزاء أعمالهم بأن نعطي بواحد عشراً أو أكثر لاجزاء أحسن أعمالهم فقط.
والعمل الصالح عندنا كل ما أمره الله فإنه صار صالحاً بأمره ولو نهى عنه لما كان صالحاً فليس الصلاح والفساد من لوازم الفعل في نفسه.
وقالت المعتزلة : ذلك من صفات الفعل ويترتب عليه الأمر والنهي فالصدق عمل صالح في نفسه يأمر الله تعالى به لذلك فعندنا الصلاح والفساد والحسن والقبح يترتب على الأمر والنهي وعندهم الأمر والنهي يترتب على الحسن والقبح.
٤٤٨
واعلم أن كل ما يفعله الإنسان من الخير فالله يجازيه عليه ويجده عند الله حين يلقاء فمنفعة خيره تعود إلى نفسه وإن كان نفعه إلى الغير بحسب الظاهر.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه :"يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال : أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت لوعدته لوجدتني عنده.
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال : كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال : أما علمت أنه استطعمك فلان فلم تطمعه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي.
يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي".
قال بعضهم : كنت في طريق الحج فاعترض ثعبان أسود أمام القافلة فاتحاً فاه ومنع القوم من المرور فأخذت قربة ماء وسللت سيفي وتقدمت ووضعت فم القربة في فيه فشرب ثم غاب فلما حججت ورجعت إلى هذا المكان مع القافلة أخذني النوم وذهبت القافلة وبقيت متحيراً فإذا بناقة مع ناقتي وقفت بين يدي فقالت لي : قم واركب فركبت وأخذت ناقتي وقت السحر ولحقنا القافلة فأشارت إلي بالنزول فقلت : بالله الذي خلقك من أنت قالت : أنا الأسود المعترض أمام القافلة فأنت دفعت ضرورتي وأنا دفعت ضرورتك الآن هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤٨
باحساني آسوده كردن دلي
به از ألف ركعت بهر منزلي
كر ازحق نه توفيق خيري رسد
كي از بنده خيري بغيري رسد
غم وشادماني نماند وليك
جزاي عمل ماند ونام نيك
﴿وَوَصَّيْنَا الانسَـانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ أي بإيتاء والديه وإيلائهما فعلاً ذا حسن أي أمرناه بأن يفعل بهما ما يحسن من المعاملات فإن وصى يجرى مجري أمر معنى وتصرفاً غير أنه يستعمل فيما كان في المأمور به نفع عائد إلى المأمور وغيره يقال : وصيت زيداً بعمرو أمرته بتعهده ومراعاته.
والتوصية (وصيت كردن).