عن عهدة التبليغ بما لا مزيد عليه فلا يضرني تكذيبكم بعد ذلك أصلاً وكل أحد بعد ذلك مأخوذ بعمله.
قال في "الأسئلة المقحمة" معنى البلاغ هو إلقاء المعنى إلى النفس على سبيل الإفهام وإن لم يفهم السامع فقد حصل مني ذلك الإبلاغ والإسماع والإفهام من الله تعالى.
يش وحي حق أكر كرسرنهد
كبريا از فضل خود سمعش دهد
جزمكر جاني كه شدبى نور وفر
همون ماهى كنك بد از أصل كر
وفي الآية تسلية للرسول عليه السلام ودعاء له إلى الصبر وزجر لمخالفيه فيما فعلوا من التكذيب والجحود فعلى المؤمن الطاعة والتقوى وقبول وصية الملك الأقوى فإن التقوى خير الزاد يوم التلاق وسبب النجاة وجالبة الأرزاق وأعظم أسباب التقوى التوحيد وهو أساس الإيمان ومفتاح الجنان ومغلاق النيران.
روي : أن عمر رضي الله عنه مر بعثمان رضي الله عنه وسلم عليه فلم يرد سلامه فشكا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال : لعله لعذر ثم أرسل إلى عثمان وسأل عن ذلك فقال : لم أسمع كلامه فإني كنت في أمر وهو أنا صاحبنا النبي زماناً فلم نسأل عما تتفتح به الجنان وتغلق أبواب النيران فقال أبو بكر رضي الله عنه : سألت عن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : هي الكلمة التي عرضتها على عمي أبي طالب فأبى لا إله إلا الله محمد رسول الله" وذكر الله أكثر الأشياء تأثيراً فاذكروا الله ذكراً كثيراً.
قال السري رحمه الله : صحبت زنجياً في البرية فرأيته كلما ذكر الله تغير لونه وابيض فقلت : يا هذا أرى عجباً فقال : يا أخي أما إنك لو ذكرت الله تغيرت صفتك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٧
قال الحكيم الترمذي رحمه الله : ذكر الله يرطب اللسان فإذا خلا عن الذكر أصابته حرارة النفس ونار الشهوة فتعس ويبس وامتنعت الأعضاء عن الطاعة كالشجرة اليابسة لا تصلح إلا للقطع وتصير وقود النار وبالتوحيد تحصل الطهارة التامة عن لوث الشرك والسوى فالنفس تدعو مع الشيطان إلى أسفل السافلين والله تعالى يدعو بلسان نبيه إلى أعلى عليين وقد دعا الأنبياء كلهم فقبحوا الأوثان والشرك والدنيا وحسنوا عبادة الله والتوحيد والأخرى ورغبوا إلى الشكر والطاعة في الدنيا التي هي الساعة بل كلمح البصر لا يرى لها أثر ولا يسمع لها خبر فالعاقل يستمع إلى الداعي الحق ولا يكذب الخبر الصدق فيل بالتصديق والقبول والرضى إلى الدرجات العلى والراحة العظمى.
مده براحت فاني حيات باقي را
بمحنت دوسه روز از غم ابد بكريز
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٧
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ﴾ اعتراض بين طرفي قصة إبراهيم عليه السلام لتذكير أهل مكة وإنكار تكذيبهم بالبعث مع وضوح دليله والهمزة لإنكار عدم رؤيتهم الموجب لتقريرها والواو للعطف على مقدر وإبداء الخلق إظهارهم من العدم إلى الوجود ثم من الوجود الغيبي إلى الوجود العيني.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : الإيجاد إذا لم يكن مسبوقاً بمثله يسمى إبداء وإن كان مسبوقاً بمثله يسمى إعادة والله تعالى بدأ خلق الإنسان ثم هو يعيدهم أي يرجعهم ويردهم بعد العدم إلى الوجود ويحشرهم والأشياء كلها منه بدت وإليه تعود.
ومعنى الآية ألم ينظروا أي أهل مكة وكفار قريش ولم يعلموا علماً جارياً مجرى الرؤية في الجلاء والظهور كيفية خلق الله ابتداء من مادة ومن غير مادة أي قد علموا.
﴿ثُمَّ يُعِيدُه﴾
٤٥٨
أي : يرده إلى الوجود عطف على أو لم يروا لا على يبدأ لعدم وقوع الرؤية عليه فهو إخبار بأنه تعالى يعيد الخلق قياساً على الإبداء وقد جوز العطف على يبدأ بتأويل الإعادة بإنشائه تعالى كل سنة ما أنشأه في السنة السابقة من النبات والثمار وغيرهما فإن ذلك مما يستدل به على صحة البعث ووقوعه من غير ريب.
قال الشيخ سعدي قدس سره :
بامرش وجود از عدم نقش بست
كه داند جزا وكردن از نيست هست
دكرره بكتم عدم در برد
واز آنجا بصحري محشر برد
﴿إِنَّ ذَالِكَ﴾ أي : ما ذكر من الإعادة ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ سهل لا نصب فيه.
وبالفارسية (آسانت) إذ لا يفتقر في فعله إلى شيء من الأسباب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٨
﴿قُلِ﴾ يا محمد لمنكري البعث.
﴿سِيرُوا فِى الأرْضِ﴾ سافروا في أقطارها.
﴿فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ خلقهم ابتداء على كثرتهم مع اختلاف الأشكال والأفعال والأحوال ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الاخِرَةَ﴾ يقال : نشأ نشأة حيي وربا وشب.