قال الراغب : الإنشاء إيجاد الشيء وتربيته وأكثر ما يقال ذلك في الحيوان انتهى والنشأة مصدر مؤكد لينشىء بحذف الزوائد والأصل الإنشاءة أو بحذف العامل أي ينشىء فينشؤون النشأة الآخرة كما في قوله تعالى :﴿وَأَنابَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ (آل عمران : ٣٧) أي فنبتت نباتاً حسناً والنشأة الآخرة هي النشأة الثانية وهي نشأة القيام من القبور والجملة معطوفة على جملة سيروا في الأرض داخلة معها في حيز القول وعطف الأخبار على الإنشاء جائز فيما له محل من الإعراب وإنما لم تعطف على قوله بدأ الخلق لأن النظر غير واقع على إنشاء النشأة الأخرى فإن الفكر يكون في الدليل لا في النتيجة.
والمعنى ثم الله يوجد الإيجاد الآخر ويحيي الحياة الثانية أي بعد النشأة الأولى التي شاهدتموها وهي الإبداء فإنه والإعادة نشأتان من حيث أن كلاً اختراع وإخراج من العدم إلى الوجود ـ وبالفارسية (س الله باز فردا بآفرينش سين خلق را زنده كند وظاهر كرداند آفريدن ديكررا ملخص سخن آنست كه ون بديديد وبدا نستيد كه خالق همه در ابتدا الله است حجت لازم شود برشما دراعات وبضرورت دانيد آنكه مبدىء خلائق است ميتواند آنكه معيد ايشان باشد).
﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى.
﴿يُعَذِّبُ﴾ أي : بعد النشأة الآخرة ﴿مَن يَشَآءُ﴾ أن يعذبه وهم المنكرون لها ﴿وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ﴾ أن يرحمه وهم المصدقون بها وتقديم التعذيب لما أن الترهيب أنسب بالمقام من الترغيب.
﴿وَإِلَيْهِ﴾ تعالى لا إلى غيره.
﴿تُقْلَبُونَ﴾ تردون بالبعث فيفعل بكم ما يشاء من التعطيب والرحمة مجازاة على أعمالكم.
قال الكاشفي :(دركشفت الأسرار آورده كه عذابش ازروى عدلست ورحمتش اتزراه فضل س هركزا خواهد باوى عدل كند از يش براند وآنراكه خواهد باوى فضل نمايد بلطف خويش بخواند).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٨
اكر راني زراه عدل راني
وكر خواني زروي فضل خواني
مرا باراندن وخواندن ه كارست
اكر خواني وكرراني توداني
(درزان المسير آورده كه عذاب بزشت خوييست ورحمت بخوش خلقي.
ونزد بعضي عذاب
٤٥٩
ورحمت بميل دنياست وترك آن يابحرص وقناعت يابمتابعت بدعت وملازمت سنت يابتفرقه خاطر وجمعيت دل.
إمام قشيري فرموده كه عذاب با آنست كه بنده را با وكذارد ورحمت آنكه بخود متولى كار أوشود).
تاتونباشي يارمارونق نيابد كارما
﴿وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ (ونيستيد شما اي مردمان عاجز كنند كان روردكار خودرا) أي عن إجراء حكمه وقضائه عليكم وإن هربتم.
﴿فِى الأرْضِ﴾ الواسعة بالتواري فيها.
يعني (درزير زمين) ﴿وَلا فِى السَّمَآءِ﴾ ولا بالتحصن في السماء التي هي أوسع منها لو استطعتم الترقي فيها.
يعني في الأرض كنتم أو في السماء لا تقدرون أن تهربوا منه فهو يدرككم لا محالة ويجري عليكم أحكام تقديره ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِىٍّ﴾ (دوست كار ساز).
﴿وَلا نَصِيرٍ﴾ يارى ومعين.
يعني : ليس غيره تعالى يحرسكم مما يصيبكم من بلاء يظهر من الأرض أو ينزل من السماء ويدفعه عنكم إن أراد بكم ذلك.
قال بعضهم : الولي الذي يدفع المكروه عن الإنسان والنصير الذي يأمر بدفعه عنه والولي أخص من النصير إذ قد ينصر من ليس بولي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٨
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيات اللَّهِ﴾ أي بدلائله التكوينية والتنزيلية الدالة على ذاته وصفاته وأفعاله فيدخل فيه النشأة الأولى الدالة على تحقق البعث والآيات الناطقة به دخولاً أولياً.
قال في "كشف الأسرار" : الكفر بآيات الله أن لا يستدل بها عليه وتنسب إلى غيره ويجحد موضع النعمة فيها.
﴿وَلِقَآاـاِهِ﴾ الذي تنطق به تلك الآيات ومعنى الكفر بلقاء الله جحود الورود عليه وإنكار البعث وقيام الساعة والحساب والجنة والنار.
﴿أولئك﴾ الموصوفون بما ذكر من الكفر بآياته تعالى ولقائه يئِسُوا مِن رَّحْمَتِى} اليأس انتفاء الطمع كما في "المفردات" : وبالفارسية (نوميدشدن) كما في "تاج المصادر" أي : ييأسون منها يوم القيامة وصيغة الماضي للدلالة على تحققه أو يئسوا منها في الدنيا لإنكارهم البعث والجزاء ﴿وَأُولَئِكَ﴾ الموصوفون بالكفر بالآيات واللقاء وباليأس من الرحمة الممتازون بذلك عن سائر الكفرة ﴿لَهُمُ﴾ بسبب تلك الأوصاف القبيحة ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ لا يقادر قدره في الشدة والإيلام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٠