أي : شعيباً ولم يمتنعوا من الفساد ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ أي الزلزلة الشديدة حتى تهدمت عليهم دورهم وفي سورة هود :﴿وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ (هود : ٩٤) أي صيحة جبريل فإنها الموجبة للرجفة بسبب تمويجها للهواء وما يجاوره من الأرض ﴿فَأَصْبَحُوا﴾ أي صاروا ﴿فِى دَارِهِمْ﴾ أي بلدهم أومنازلهم ولم يجمع بأن يقال في ديارهم لأمن اللبس ﴿جَـاثِمِينَ﴾ باركين على الركب ميتين مستقبلين بوجوههم الأرض وذلك بسبب عدم استماعهم إلى داعي الحق وتزلزل باطنهم فالجزاء من جنس العمل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٧
﴿وَعَادًا﴾ منصوب بإضمار فعل دل عليه ما قبله أي وأهلكنا عاداً قوم هود ﴿وَثَمُودَا﴾ قوم صالح وهو غير مصروف على تأويل القبيلة ﴿وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَـاكِنِهِمْ﴾ أي : وقد ظهر لكم يا أهل مكة إهلاكنا إياهم من جهة بقية منازلهم باليمن ديار عاد والحجر ديار ثمود بالنظر إليها عند مروركم بها في أسفاركم ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ أَعْمَـالَهُمْ﴾ من فنون الكفر والمعاصي وحسنها في أعينهم ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ صرفهم عن السبيل الذي وجب عليهم سلوكه وهو السبيل السوي الموصل إلى الحق على التوحيد ﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ يقال : استبصر في أمره إذا كان ذا بصيرة أي والحال أنهم أي عاداً وثمود قد كانوا ذوي بصيرة عقلاء متمكنين من النظر والاستدلال ولكنهم لم يفعلوا ذلك لمتابعتهم الشيطان فلم ينتفعوا بعقولهم في تمييز الحق من الباطل فكانوا كالحيوان.
وفي "المثنوي" :
مهر حق برشم وبركوش خرد
كر فلاطونست حيوانش كنكد
٤٦٨
﴿وَقَـارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَـامَـانَ﴾ معطوف على عاداً وتقديم قارون لشرف نسبه كما سبق ففيه تنبيه لكفار قريش أن شرف نسبهم لا يخلصهم من العذاب كما لم يخلص قارون ﴿وَلَقَدْ جَآءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ بالدلالات الواضحة والمعجزات الباهرة.
﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ وتعظموا عن قبول الحق ﴿فِى الأرْضِ﴾ (در زمين مصر) ﴿وَمَا كَانُوا سَـابِقِينَ﴾ مفلتين فائتين بل أدركهم أمر الله فهلكوا من قولهم سبق طالبه إذا فاته ولم يدركه.
قال الراغب : أصل السبق التقدم في السير ثم تجوز به في غيره من التقدم كما قال بعضهم : إن الله تعالى طالب كل مكلف بجزاء عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٧
﴿فَكُلا﴾ تفسير لما ينبىء عنه عدم سبقهم بطريق الإبهام أي كل واحد من المذكورين ﴿أَخَذْنَا بِذَنابِهِ﴾ أي عاقبناه بجنايته لا بعضهم دون بعض كما يشعر به تقديم المفعول.
قال بعضهم : الأخد أصله باليد ثم يستعار في مواضع فيكون بمعنى القبول كما في قوله :﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَالِكُمْ إِصْرِى﴾ (آل عمران : ٨١) أي : قبلتم عهدي وبمعنى التعذيب في هذا المقام.
قال في "المفردات" : الأخذ حوز الشيء وتحصيله وذلك تارة بالتناول نحو ﴿مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلا مَن وَجَدْنَا مَتَـاعَنَا عِندَهُ﴾ (يوسف : ٧٩) وتارة بالقهر نحو ﴿لا تَأْخُذُه سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ (البقرة : ٢٥٥) ويقال : أخذته الحمى ويعبر عن الأسير بالمأخوذ والأخيذ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٩
قال في "الأسئلة المقحمة" : قوله :﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنابِهِ﴾ دليل على أنه تعالى لا يعاقب أحداً إلا بذنبه وأنهم يقولون : إنه تعالى لو عاقب ابتداء جاز والجواب نحن لا ننكر أنه تعالى يعاقب الكفار على كفرهم والمذنبين بذنبهم وإنما الكلام في أنه لو عاقب ابتداء لا يكون ظالماً لأنه يفعل ما يشاء بحكم الملك المطلق ﴿فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ تفصيل للأخذ أي ريحاً عاصفاً فيه حصباء وهي الحصى الصغار وهم عاد أو ملكاً رماهم بها وهم قوم لوط ﴿وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ كمدين وثمود صاح بهم جبريل صيحة فانشقت قلوبهم وزهت أرواحهم.
وبالفارسية (بانك كرفت ايشانرا تا زهره إشان ترقيد) ﴿وَمِنْهُم مَّنْ﴾ (وازايشان كسى بودكه) ﴿خَسَفْنَا بِهِ الارْضَ﴾ (فرو برديم أورا بزمين ون قارون واتباع أو) فالباء للتعدية وهو الجزاء الوفاق لعمله لأن المال الكثير يوضع غالباً تحت الأرض ﴿وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا﴾ كقوم نوح وفرعون وقومه والإغراق :(غرقه كردن) كما في "التاج" والغرق الرسوب في الماء أي السفول والنزول فيه ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ بما فعل بهم بأن يضع العقوبة في غير موضعها فإن ذلك محال من جهته تعالى لأنه قد تبين بإرسال الرسل ﴿وَلَـاكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بالاستمرار على ما يوجب العذاب من أنواع الكفر والمعاصي :
أي كه حكم شرع را رد ميكنى
راه باطل ميروى بدمكيني
ون توبد كردي بدي يا بي جزا
س بديها جمله باخود ميكنى
وفي "المثنوي" :
س تراهر غم كه يش آيد زدرد
بركسى تهمت منه برخويش كرد


الصفحة التالية
Icon