جهانرانيست هستي جز مجازى
سراسر حال أو لهواست وبازى
كذا قال بعض أهل التأويل.
يقول الفقير : لعل العيدين إشارة إلى النفس الداخل والخارج وللعارفين في كل منهما عيد أكبر باعتبار كونهم مع الحق وشهوده والعناكيب إشارة إلى العباد الذين يتقيدون بالعبادات الظاهرة من غير شهود الحق فأين من يأكل القديد ممن يأكل الحلاوى ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ على إضمار القول أي قل للكفرة تهديداً إن الله ﴿يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ﴾ يعبدون وما استفهامية منصوبة بيدعون ويعلم معلق عنها.
﴿مِن دُونِهِ﴾ أي : من دون الله ﴿مِّن شَىْءٍ﴾ من للتبين أي سواء كان ما يدعون صنماً أو نجماً أو ملكاً أو جنياً أو غيره لا يخفى عليه ذلك فهو يجازيهم على كفرهم ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب القادر على انتقام أعدائه ﴿الْحَكِيمُ﴾ ذو الحكمة في ترك المعاجلة بالعقوبة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٩
ولما كان الجهلة والسفهاء من قريش يقولون : إن رب محمد لا يستحيي أن يضرب مثلاً بالذباب والبعوضة والعنكبوت ويضحكون من ذلك قال تعالى :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٩
﴿وَتِلْكَ الامْثَـالُ﴾ أي هذا المثل وأمثاله والمثل كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول أي تشبيه حال الثاني بالأول ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ نذكرها ونبينها لأهل مكة وغيرهم تقريباً لما بعد عن أفهامهم.
قال في "المفردات" : ضرب المثل هو من ضرب الدرهم اعتباراً بضربه
٤٧١
المطرقة وهو ذكر شيء أثره يظهر في غيره ﴿وَمَا يَعْقِلُهَآ﴾ أي وما يفهم حسن تلك الأمثال وفائدتها ﴿إِلا الْعَـالِمُونَ﴾ أي الراسخون في العلم المتدبرون في الأشياء على ما ينبغي وهم الذين عقلوا عن الله أي ما صدر عنه فعملوا بطاعته واجتنبوا سخطه والعالم على الحقيقة من حجزه علمه عن المعاصي فالعاصي جاهل وإن كان عالماً صورة.
فإن قيل لم لم يقل وما يعلمها إلا العاقلون والعقل يسبق العلم؟.
قلنا : لأن العقل آلة تدرك بها معاني الأشياء بالتأمل فيها ولا يمكن التأمل فيها والوصول إليها بطريقها إلا بالعلم.
ودلت الآية على فضل العلم على العقل ولا عالم منا إلا وهو عاقل فأما العاقل فقد يكون غير عالم.
قال الإمام الراغب في "المفردات" : العقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة عقل ولهذا قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أقول :
العقل عقلان
فمطبوع ومسموع
ولا ينفع مطبوع
إذا لم يك مسموع
كما لا تنفع الشمس
وضوء العين ممنوع
وإلى الأول أشار عليه السلام بقوله :"ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل" وإلى الثاني أشار بقوله :"ما كسب أحد شيئاً أفضل من عقل يهديه إلى هدى ويرده عن ردى" وهذا العقل هو المعني بقوله :﴿وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلا الْعَـالِمُونَ﴾ وكل موضع ذم فيه الكفار بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الأول وكل موضع رفع فيه التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأول انتهى : وفي "المثنوي".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧١
عقل دو عقلست أول مكسبي
كه در آموزى ودر مكتبصبى
از كتاب واوستاد وفكر وذكر
از علوم وازمعانى خوب وبكر
عقل تو افزون شود برديكران
ليك توباشي ز حفظ آن كران
لوح حافظ باشي اندر دور وكشت
لوح محفوظ اسوت كوزين دركذشت
عقل ديكر بخشش يزدان بود
شمه آندرميانجان بود
ون زسينه آب دانش جوش كرد
ني شود كنده ني ديرينه ني زرد
وررهنبعش بود بسته ه غم
كو همي جوشد زخانه مبدم
عقل تحصيلي مثال جويها
كان رود درخانه زخانه دمبدم
راه آبش بسته شد شد بي نوا
از درون خويشتن ون شمه را
جهد كن تابير عقل ودين شوى
تاو عقل كل توباطن بين شوى
﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ﴾ أي حال كونهما حقاً مراعياً للحكم والمصالح على أنه حال من فاعل خلق أو ملتبسة بالحق الذي لا محيد عنه مستتبعة للمنافع الدينية والدنيوية على أنه حال من مفعوله فإنها مع اشتمالها على جميع ما يتعلق به معاشهم شواهد دالة على وحدانيته وعظم قدرته وسائر صفاته كما أشار إليه بقوله :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ أي : في خلقهما ﴿لايَةً﴾ دالة على شؤونه ﴿لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ تخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الهداية والإرشاد في خلقهما
٤٧٢
للكل لأنهم المنتفعون بذلك.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ﴾ لمرآتية صفات الحق تعالى ليكون مظهرها ﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَةً﴾ أي في السموات والأرض آية حق مودعة ولكن ﴿لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين ينظرون بنور الله فإن النور لا يرى إلا بالنور ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
جهان مرآت حسن شاهد ماست
فشاهد وجهه في كل ذرات


الصفحة التالية
Icon