فعلى العاقل النظر إلى آثار رحمة الله والتفكر في عجائب صنعه وبدائع قدرته حتى يستخرج الدر من بحار معرفته.
روي : أن ادود عليه السلام دخل في محرابه فرأى دودة صغيرة فتفكر في خلقها وقال : ما يعبأ الله بخلق هذه فانطقها الله تعالى فقالت : يا داود أتعجبك نفسك وأنا على ما أنا والله أذكر الله وأشكره أكثر منك على ما آتاك الله.
وحكي : أن رجلاً رأى خنفساء فقال : ماذا يريد الله تعالى من خلقه هذه أحسن شكلها أم طيب ريحها؟ فابتلاه الله بقرحة عجز عنها الأطباء حتى ترك علاجها فسمع يوماً صوت طبيب من الطرقيين ينادي في الدرب فقال : هاتوه حتى ينظر في أمري فقالوا : ما تصنع بطرقي وقد عجز عنك حذاق الأطباء؟ فقال : لا بد لي منه فلما أحضروه ورأى القرحة استدعى الخنفساء فضحك الحاضرون فتذكر العليل القول الذي سبق منه فقال : أحضروا ما طلب فإن الرجل على بصيرة فأحرقها ووضع رمادها على قرحته فبرئت بإذن الله تعالى فقال للحاضرين : إن الله تعالى أراد أن يعرفني أن أخس المخلوقات أعز الأدوية كذا في "حياة الحيوان" فظهر أن الله تعالى ما خلق شيئاً باطلاً بل خلق الكل حقاً مشتملاً على المصلحة سواء عرفها الإنسان أو لم يعرفها واللائق بشأن المؤمن أن يسلك طريق التفكر ثم يترقى منه حتى يرى الأشياء على ما هي عليه كما هو شأن أرباب البصيرة.
وقد قالوا : المشاهدة ثمرة المجاهدة فلا بد من استعمال العقل وسائر القوى وكذا الأعضاء فبالخدمة تزداد الحرمة ويحصل الانكشاف وتزول الحيرة ويجيء الاطمئنان.
قال المولى الجامي :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧١
بي طلب نتوان وصالت يافت آرى كي دهد
دولت حج دست جزراه بيابان برده را
ومعنى الطلب ليس القصد القلبي والذكر اللساني فقط بل الاجتهاد بجميع الظاهر والباطن بقدر الإمكان وهو وظيفة الإنسان ثم الفتح بيد الله إن شاء أراه ملكوت السموات والأرض وجعله مكاشفاً ومعايناً ومحققاً واحداً وإن شاء أوقفه في مقامه وأقل الأمر حصول التفكر بالعقل المودع ويلزم شكره فإن الله تعالى أخرجه بذلك عن دائرة الغافلين المعرضين اللهم اجعلنا من المتفكرين المتيقظين والمدركين لحقائق الأمور في كل شيء من خلق السماوات والأرض.
﴿اتْلُ مَآ أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَـابِ﴾ التلاوة القراءة على سبيل التوالي والإيحاء إعلام في الخفاء ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى الأنبياء والأولياء وحي.
والمعنى : اقرأ يا محمد ما أنزل إليك من القرآن تقرباً إلى الله بقراءته وتحفظاً لنظمه وتذكراً لمعانيه وحقائقه فإن القارىء المتأمل ينكشف له في كل مرة ما لم ينكشف قبل وتذكيراً للناس وحملهم على العمل بما فيه من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق كما روي أن عمر رضي الله عنه أتى بسارق فأمر بقطع يده فقال لم تقطع يدي؟ وكان جاهلاً بالأحكام فقال له عمر : بما أمر الله في كتابه
٤٧٣
فقال : اتل عليَّ فقال :﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءَا بِمَا كَسَبَا نَكَـالا مِّنَ اللَّه وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فقال السارق : والله ماسمعتها ولو سمعتها ما سرقت فأمر بقطع يده ولم يعذره.
فسنّ التراويح بالجماعة ليسمع الناس القرآن.
وعن علي رضي الله عنه من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأ وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة ومن قرأ وهو في غيرالصلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات.
وعن الحسن البصري رحمه الله : قراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من صلاة لا يكون فيها كثير القراءة كما قال الفقهاء : طول القيام أفضل من كثرة السجود لقوله عليه السلام :"أفضل الصلاة طول القنوت" أي : القيام وبكثرة الركوع والسجود يكثر التسبيح والقراءة أفضل منه.
قالوا : أفضل التلاوة على الوضوء والجلوس نحو القبلة وأن يكون غير مربع ولا متكىء ولا جالس جلسة متكبر ولكن نحو ما يجلس بين يدي من يهابه ويحتشم منه وقد سبق في آخر سورة النمل بعض ما يتعلق بالتلاوة من الآداب والأسرار فارجع.
﴿اتْلُ مَآ﴾ أي : داوم على إقامتها وحيث كانت الصلاة منتظمة للصلوات المكتوبة المؤداة بالجماعة وكان أمره عليه السلام بإقامتها متضمناً لأمر الأمة بها علل بقوله تعالى :﴿اتْلُ مَآ﴾ المعروفة وهي المقرونة بشرائطها الظاهرة والباطنة ﴿تَنْهَى﴾ أي من شأنها وخاصيتها أن تنهاهم وتمنعهم ﴿عَنِ الْفَحْشَآءِ﴾ (از كارى كه نزد عقل زشت بود) ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾ (واز عملى كه بحكم شرع منهى باشد).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧١


الصفحة التالية
Icon