يقول الفقير : هذا يحتمل معنيين.
الأول أنه على سبيل الفرض والتقدير يعني لو فرض للمرء ما يكون سبباً لبقائه في الدنيا لكان ذلك إقامة الصلاة فكان وفاته إنما جاءت من قبل ترك الصلاة كما أن الصدقة والصلة تزيدان في الأعمار يعني : لو فرض للمرء ما يزيد به العمر لكان ذلك هو الصدقة وصلة الرحم ففيه بيان فضيلة رعاية الأحكام الظاهرة خصوصاً من بينها الصلاة والصدقة والصلة.
والثاني أن لكل شيء حياً أو جماداً أجلاً علق ذلك بانقطاعه عن الذكر لأنه ما من شيء إلا يسبح بحمده فالشجر لا يقطع وكذا الحيوان لا يقتل ولا يموت إلا عند انقطاعه عن الذكر وفي الحديث :"إن لكل شيء أجلاً فلا تضربوا إماءكم على كسر إنائكم" فمعنى ترك الصلاة ترك التوجه إلى الله بالذكر والحضور معه لأن العمدة فيها هي اليقظة الكاملة فإذا وقعت النفس في الغفلة انقطع عرق حياتها وفاتت بسببها وهذا بالنسبة إلى الغافلين الذاكرين وأما الذين على صلاتهم دائمون فالموت يطرأ على ظاهرهم لا على باطنهم فإنهم لا يموتون بل ينقلون من دار إلى دار كما ورد في بعض الآثار هذا هو اللائح والله أعلم.
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ أي والصلاة أكبر من سائر الطاعات وإنما عبر عنها بالذكر كما في قوله تعالى :﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (الجمعة : ٩) للإيذان بأن ما فيها من ذكره تعالى هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات أو ولذكر الله أفضل الطاعات لأن ثواب الذكر هو الذكر كما قال تعالى :﴿فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة : ١٥٢) وقال عليه السلام :"يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ أكثر من الملأ الذي ذكرني فيهم" فالمراد بهذا الذكر هو الذكر الخالص وهو أصفى وأجلى من الذكر المشوب بالأعمال الظاهرة وهو خير من ضرب الأعناق وعتق الرقاب وإعطاء المال للأحباب وأول الذكر توحيد ثم تجريد ثم تفريد كما قال عليه السلام :"سبق المفردون" قالوا : يا رسول
٤٧٥
الله وما المفردون؟ قال :"الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".
قال الشيخ العطار :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧١
أصل تجريد وداع شهوتست
بلكه كلى انقطاع لذتست
كرتوببر يدي زموجدات أميد
آنكه ازتفريد كردى مستفيد
والذكر طرد الغفلة ولذا قالوا : ليس في الجنة ذكر أي لأنه لا غفلة فيها بل حال أهل الجنة الحضور الدائم.
وفي "التأويلات النجمية" : ما حاصله أن الفحشاء والمنكر من أمارات مرض القلب ومرضه نسيان الله وذكر الله أكبر في إزالة هذا المرض من تلاوة القرآن وإقامة الصلاة لأن العلاج إنما هو بالضد.
فإن قلت : إذا كانت تلاوة القرآن وإقامة الصلاة والذكر صادرة من قلب مريض معلول بالنسيان الطبيعي للإنسان لا يكون كل منها سبباً لإزالة المرض المذكور.
قلت : الذكر مختصر بطرح إكسير ذكر الله للعبد كما قال :﴿فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة : ١٥٢) فأبطل خاصية المعلولية وجعله إبريزاً خاصاً بخاصيته المذكورة فذكر العبد فني في ذكر الله فلذا كان أكبر.
وقال بعض الكبار : ذكر اللذات في مقام العناء المحض وصلاة الحق عند التمكين في مقام البقاء أكبر من جميع الأذكار وأعظم من جميع الصلوات.
قال ابن عطاء رحمه الله : ذكر الله أكبر من ذكركم لأن ذكره والكرم بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني والسؤال.
وقال بعضهم : إذا قلت : ذكر الله أكبر من ذكر العبد قابلت الحادث بالقديم وكيف يقال الله أحسن من الخلق ولا يوازي قدمه إلا قدمه ولا ذكره إلا ذكره ولا يبقى الكون في سطوات المكون.
وقال بعضهم :(ذكر خداي بزركتراست ازهمه جيزيراكه ذكر أو طاعتست وذكر غيراو طاعت نيست) فويل لمن مرّ وقته بذكر الإغيار.
قال الحافظ :
أوقات خوش آن بودكه بادوست بسررفت باقى همه بيحاصل وبيخبرى بود ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ من الذكر وسائط الطاعات لا يخفى عليه شيء فيجازيكم بها أحسن المجازة.