سورة المؤمنون
مكية وهي مائة وعشر آيات عند البصريين وثماني عشرة عند الكوفيين
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٥
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ سعد المصدقون ونالوا البقاء في الجنة ويدل عليه "أن الله تعالى لما خلق جنة عدن بيده قال : تكلمي فقالت : قد أفلح المؤمنون فقال : طوبى لك، منزل الملوك أي ملوك الجنة وهم الفقراء الصابرون".
فصيغة الماضي للدلالة على تحقق الدخول في الفلاح وكلمة قد لإفادة ثبوت ما كان متوقع الثبوت من قبل لأن المؤمنين كانوا متوقعين ذلك الفلاح من فضل الله والفلاح البقاء والفوز بالمراد والنجاة من المكروه والإفلاح الدخول في ذلك كالإبشار الذي هو الدخول في البشارة وقد يجيء متعدياً بمعنى الإدخال فيه وعليه قراءة من قرأ على البناء للمفعول ولما كان الفلاح الحقيقي لا يحصل بمطلق الإيمان وهو التصديق بما علم ضرورة أنه من دين نبينا عليه السلام، من التوحيد والنبوة والبعث والجزاء ونظائرها بل يحصل بالإيمان الحقيقي المقيد بجميع الشرائط قال بطريق الإيضاح أو المدح.
﴿الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ الخشوع الخوف والتذلل.
وفي "المفردات" : الخشوع : الضراعة وأكثر ما يستعمل فيما يوجد على الجوارح والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد على القلب ولذلك قيل فيما ورد :"إذا ضرع القلب خشعت الجوارح" أي خائفون من الله متذللون له ملزمون أبصارهم مساجدهم.
قال الكاشفي :(شم برسجده كاه
٦٦
نهاده وبدل بردركاه مناجات حاضر شده) روي : أنه عليه السلام كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وأنه رأى مصلياً يعبث بلحيته فقال :"لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه".
وفي "النتف" : يكره تقليب الوجه إلى نحو السماء عند التكبيرة الأولى، وجه النهي أن النظر إلى السماء من قبيل الالتفات المنهي عنه في الصلاة، وأما في غيرها فلا يكره لأن السماء قبلة الدعاء ومحل نزول البركات.
قال الكاشفي :(رلباب فرموده كه درحالت قيام ديده برسجده كاه بايد نهاد مكر بمكة معظمه كه درخانة مكرمه بايد نكريست)، وفي الحديث :"إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنما هو بين يدي الرحمن فإذا التفت يقول الله تعالى : إلى من تلتفت إلى خير مني أقبل يا ابن آدم إليّ فأنا خير ممن تلتفت إليه".
وفي "التأويلات النجمية" : خاشعون أي بالظاهر والباطن.
أما الظاهر فخشوع الرأس بانتكاسه وخشوع العين بانغماضها عن الالتفات وخشوع الأذن بالتذلل للاستماع وخشوع اللسان القراءة والحضور والتأنى وخشوع اليدين وضع اليمين على الشمال بالتعظيم كالعبيد وخشوع الظهر انحناؤه في الركوع مستوياً وخشوع الفرج ينفي الخواطر الشهوانية وخشوع القدمين بثباتهما على الموضع وسكونهما عن الحركة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٦
وأما الباطن : فخشوع النفس سكونها عن الخواطر والهواجس وخشوع القلب بملازمة الذكر ودوام الحضور وخشوع السر بالمراقبة في ترك اللحضات إلى المكونات وخشوع الروح استغراقه في بحر المحبة وذوبانه عند تجلي صفة الجمال والجلال (حققي فرموده كه در نماز أول ازخود بيزار بايد شد س طالب وصول بقرب يار باي كذشت).
يار بيزاراست ازتو تاتويي
أول ازخود خويش رابيزاركن
كر زتويكذره باقي مانداه است
خرقه وتسبيح با زنار كن
ترك خويش وهردوعالم كيرورو
ذرة منديش وون عطاركن
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ﴾ أي : عما لا يعنيهم من الأقوال والأفعال.
وفي "المفردات" : اللغو من الكلام ما لا يعتد به وهو الذي يورد لا عن روية وفكر ويجري مجرى اللغا وهو صوت العصافر ونحوها من الطيور.
وفي "التأويلات النجمية" : اللغو كل فعل لاوكل قول لا من الله ورؤية غير الله وكل ما يشغلك عن الله فهو لغو.
قال الكاشفي :(أمام قشيري فرمودكه هره براي خدانيست حشواست وآنه ازخدا بازدارد سهواست وآنه بنده رادران حظي باشد لهواست وآنه ازخدا نبود لغواست وحقيقت آنست كه لغو يزى راكوينداز اقوال وأفعال بهيج كارنيايد)، ﴿مُعْرِضُونَ﴾ يقال : أعرض أظهر عرضه أي ناحيته فإذا قيل عرض لي كذا أي بدا عرضه فأمكن تناوله وإذا قيل أعرض فمعناه ولى مبدياً عرضه، أي معرضون في عامة أوقاتهم كما ينبىء عنه الاسم الدال على الاستمرار فيدخل في ذلك إعراضهم عنه حال اشتغالهم بالصلاة دخولاً أولياً ومدار إعراضهم عنه، ما فيه من الحالة الداعية إلى الإعراض عنه لا مجرد الاشتغال بالجد في أمور الدين فإن ذلك ربما يوهم أن لا يكون في اللغو نفسه ما يزجرهم عن تعاطيه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٦
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَواةِ فَاعِلُونَ﴾ للصدقة مؤدون والتعبير عن الأداء بالفعل مذكور في كلام العرب قال أمية بن أبي الصّلت : المطعمون الطعام في السنة
٦٧
الأزمة والفاعلون للزكوات.
وتوسيط حديث الإعراض بين الطاعة البدنية والمالية لكمال ملابسته بالخشوع في الصلاة والزكاة مصدر لأنه الأمر الصادر عن الفاعل لا المحل الذي هو موقعه.