جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٨
وفي "التأويلات النجمية" : الأمانة التي حملها الإنسان وهي الفيض الإلهي بلا واسطة في القبول وذلك الذي يختص الإنسان بكرامة حمله وعهدهم أي الذي عاهدهم عليه يوم الميثاق على أن لا يعبدوا إلا إياه كقوله :﴿وَأَنِ اعْبُدُونِى هَـاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ (سونس : ٦١) راعون بأن لا يخونوا في الأمانات الظاهرة والباطنة ولا يعبدوا غير الله فإن أبغض ما عبد غير الله الهوى لأنه بالهوى عبد ما عبد من دون الله انتهى.
قال محمد بن الفضل : جوارحك كلها أمانات عندك أمرت في كل واحدة منها بأمر فأمانة العين الغض عن المحارم والنظر بالاعتبار وأمانة السمع صيانتها عن اللغو والرفث وإحضارها مجالس الذكر وأمانة اللسان اجتناب الغيبة والبهتان ومداومة الذكر وأمانة الرجل المشي إلى الطاعات والتباعد عن المعاصي وأمانة الفم أن لا يتناول به إلا حلالاً وأمانة اليد أن لا يمدها إلى حرام ولا يمسكها عن المعروف وأمانة القلب مراعاة الحق على دوام الأوقات حتى لا يطالع سواه ولا يشهد غيره ولا يسكن إلا إليه.
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ﴾ المفروضة عليهم ﴿يُحَافِظُونَ﴾ يواظبون عليها بشرائطها وآدابها ويؤدونها في أوقاتها.
قال في "التأويلات النجمية" : يحافظون لئلا يقع خلل في صورتها ومعناها ولا يضيع منهم الحضور في الصف الأول صورة ومعنى.
وفي الحديث :"يكتب للذي خلف الإمام بحذائه في الصف الأول ثواب مائة صلاة، وللذي في الأيمن خمس وسبعون، وللذي في الأيسر خمسون، وللذي في سائر الصفوف خمس وعشرون" كما في "شرح المجمع" والصف الأول أعلم بحال الإمام فتكون متابعته أكثر وثوابه أتم وأوفر كما في "شرح المشارق" لابن الملك، وفي الحديث :"أول زمرة تدخل المسجد هم أهل الصف وإن صلوا في نواحي المسجد" كما في "خالصة الحقائق" ولفظ يحافظون لما في الصلاة من التجدد والتكرر وهو السر في جمعها وليس فيه تكرير
٦٩
الخشوع والمحافظة فضيلة واحدة.
قال الكاشفي :(ذكر صلاة در مبدأ ومنتهاي اين اوصاف كه موجب فلاح مؤمنانست اشارتست بتعظيم شان نماز).
﴿أولئك﴾ المؤمنون المنعوتون بالنعوت الجليلة المذكورة.
وبالفارسية :(آن كروه مؤمنان كه جامع اين شش صفت اند ﴿هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ أي : الأحقاء بأن يسموا وارثاً دون من عداهم ممن ورث رغائب الأموال والذخائر وكرائمها.
والوراثة انتقال مالك إليك من غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد وسمي بذلك المنتقل عن الميت فيقال للمال المورث ميراث.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٨
﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ بيان لما يرثونه وتقييد للموارثة بعد إطلاقها وتفسير لها بعد إبهامها تفخيماً لشأنها ورفعاً لمحلها وهي استعارة لاستحقاقهم الفردوس باعمالهم حسبما يقتضيه الوعد الكريم للمبالغة فيه ؛ لأن الوراثة أقوى سبب يقع في ملك الشيء ولا يتعقبه رد ولا فسخ ولا إقالة ولا نقض.
﴿هُمْ فِيهَا﴾ أي : الفردوس والتأنيث لأنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا وهو البستان الجامع لأصناف الثمر روي :"أنه تعالى بني جنة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل خلالها المسك الأذفر وغرس فيها من جيد الفاكهة وجيد الريحان" ﴿خَـالِدُونَ﴾ يخرجون منها ولا يموتون.
والخلود تبرىء الشيء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التي هو عليها والخلود في الجنة بقاء الأشياء على الحالة التي هي عليها من غير اعتراض الكون والفساد عليها.
وفي "التأويلات النجمية" : الفردوس أعلى مراتب القرب قد بقي ميراثاً عن الأموات قلوبهم فيرثه الذين كانوا أحياء القلوب انتهى.
وفي "تفسير الفاتحة" للمولى الفناري رحمه الله : اعلم أن الجنان ثلاث : الأولى جنة الاختصاص الإلهي وهي التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحدهم من أول ما يولد ويستهل صارخاً إلى انقضاء ستة أعوام ويعطي الله من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء ومن أهلها المجانين الذين ما عقلوا ومن أهلها أهل التوحيد العلمي ومن أهلها أهل الفترات ومن لم يصل إليهم دعوة رسول.
والجنة الثانية : ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهي الأماكن التي كانت معينة لأهل النار لو دخلوها.