والجنة الثالثة : جنة الأعمال وهي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم فمن كان أفضل من غيره في وجوه التفاضل كان له من الجنة أكثر سواء كان الفاضل بهذه الحالة دون المفضول أو لم يكن فما من عمل إلا وله جنة يقع التفاضل فيها بين أصحابها ورد في الحديث الصحيح عن النبي عليه السلام أنه قال لبلال :"يا بلال بم سبقتني إلى الجنة فما وطئت فيها موضعاً إلا سمعت خشخشتك أمامي" فقال : يا رسول الله ما أحدثت قط إلا توضأت وما توضأت إلا صليت ركعتين فقال عليه السلام "بهما" فعلمنا أنها كانت جنة مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة لا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص بمن دخلها ثم فصل مراتب التفاضل فمن أراد ذلك فليطلب هناك فما ذكره موافق لما قيل في الآية أنهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار كما قال الكاشفي :(منزل مؤمنان ازدوزخ اضافة منازل كفار كنند ومنزلهاي ايشان ازبهشت برمنزل مؤمنان افزايند ودرزاد المسير آورده بهشت بنظر
٧٠
كفار در آرند ومقامهاي ايشانرا اكر ايمان آوردندي بريشان نمايند تاحسرت ايشان زياده كردد :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٠
نظر ازدور درجانان بدان ما ندكه كافررا
بهشت ازدور بنمايند وآن سوز دكرباشد
اللهم اجعلنا من الذين يرثون الفردوس ويتنعمون بنعيمها ويصلون إلى نسيمها واحفظنا عن الأسباب المؤدية إلى النار وجحيمها.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ﴾ اللام جواب قسم أي وبالله لقد خلقنا جنس الإنسان في ضمن خلق آدم خلقاً إجمالياً﴿مِن سُلَـالَةٍ﴾ يقال : سل الشيء من الشيء نزع كسل السيف من الغمد وسل الشيء من البيت على سبيل السرقة وسل الولد من الأب ومنه للولد سليل، والسلالة اسم ما سل من الشيء واستخرج منه فإن فعالة اسم لما يحصل من الفعل فتارة يكون مقصوداً منه كالخلاصة وأخرى غير مقصود منه كالقلامة والكناسة والسلالة من القبيل الأول فإنها مقصودة ما يسل ومن ابتدائية متعلقة بالخلق، أي من خلاصة سلت من بين الكدر كما في "الجلالين"، ﴿مِّن طِينٍ﴾ من بيانية متعلقة بمحذوف وقع صفة لسلالة أي خلقنا من سلالة كائنة من طين : وبالفارسية :(خلاصة وازنقاوه بيرون كشيده شده ازكل) والطين التراب والماء المختلط به.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى سلالة سلت من جميع طيبها وسبخها وسهلها وجبلها باختلاف ألوانها وطبائعها المتفاوتة ولهذا اختلفت ألوانهم وأخلاقهم لأنه مودع في طبيعتهم ما هو من خواص الطين الذي اختص بخاصية منها نوع من الحيوان من جنس البهائم والسباع والجوارح والحشرات المؤذيات الغالبة على كل أحد منها صفة من الصفات الذميمة، والحميدة.
فأما الذميمة فكالحرص في الفأرة والنملة وكالشهوة في العصفور وكالغضب في الفهد والأسد وكالكبر في النمر وكالبخل في الكلب وكالشره في الخنزير وكالحقد في الحية وغير ذلك من الصفات الذميمة وأما الحميدة فكالشجاعة في الأسد والسخاوة في الديك والقناعة في البوم وكالحلم في الجمل وكالتواضع في الهرة وكالوفاء في الكلب وكالبكور في الغراب وكالهمة في البازي والسلحفاة وغير ذلك من الصفات الحميدة فقد جمعها كلها مع خواصها وطبائعها ثم أودعها في طينة الإنسان وهو آدم عليه السلام.
﴿ثُمَّ جَعَلْنَـاهُ﴾ أي : الجنس باعتبار أفراده المغايرة لآدم وقال بعضهم : ثم جعلناه أي نسله فحذف المضاف فيكون المراد بالإنسان آدم خلق من صفوة سلت من الطين.
﴿نُطْفَةً﴾ بأن خلقناه منها والنطفة الماء الصافي ويعبر بها عن ماء الرجل.
﴿فِى قَرَارٍ﴾ أي مستقر وهو الرحم عبر عنها بالقرار الذي هو مصدر مبالغة.
﴿مَّكِينٍ﴾ أي حصين وهو وصف لها بصفة ما استقر فيها مثل طريق سائر.
وبالفارسية :(درقرار كاهي كه استوار يعني رحم وجهل روز اورا نكاه داشتيم سفيد).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٠
﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء.
قال الراغب : العلق الدم الجامد ومنه العلقة التي يكون منها الولد ﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ المضغة لحم تمضع أي فصيرناها قطعة لحم لا استبانة ولا تمايز فيها.
وبالفارسية :(س ساختيم آن خون را آن مقدار كوشت كه بخايند يكبار كوشتي بي استخوان بسته جهل روز ديكر ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ﴾ أي : غالبها ومعظمها
٧١


الصفحة التالية
Icon