﴿عِظَـامًا﴾ بأن صلبناها بعد ثلاث وأربعين وجعلناها عموداً للبدن على هيئات وأوضاع مخصوصة تقتضيها الحكمة.
﴿فَكَسَوْنَا﴾ (س بوشانيديم) ﴿الْعِظَـامَ﴾ المعهودة ﴿لَحْمًا﴾ من بقية المضغة أي كسونا كل عظم من تلك العظام ما يليق به من اللحم على مقدار لائق به وهيئات مناسبة له : وبالفارسية :(برو برويانيديم كوشت بعد از رستن عروق وأعضاب وأوتار وعضلات برو) واختلاف العواطف للتنبيه على تفاوت الاستحالات وجمع العظام لاختلافها.
﴿ثُمَّ أَنشَأْنَـاهُ﴾ الإنشاء إيجاد الشيء وتربيته وأكثر ما يقال ذلك في الحيوان وبالفارسية (س بيافريديم أورا).
﴿خَلْقًا ءَاخَرَ﴾ بنفخ الروح فيه.
وبالفارسية :(روح درو دميده تازنده شد بعد ازآنكه مرده بود يا بعد ازخروج اورادندان وموي داديم وراه ستان برو كشاديم وازمقام رضاع بفطام رسانيديم وبغذاهاي كونا كون تربيت فرموديم وون قدم در حد بلوغ نهاد وقلم تكليف برو جاري كرديم وبر مراتب شباب وكهولت وشيخوخت بكذارانيديم) وثم لكمال التفاوت بين الخلقين واحتج به أبو حنيفة رحمه الله على أن من غصب بيضة فأفرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ فإنه خلق آخر.
قال في "الأسئلة المقحمة" : خلق الله الآدمي أطواراً ولو خلقه دفعة واحدة كان أظهر في كمال القدرة وأبعد عن نسبة الأسباب فما معناه فالجواب لا بل الخلق بتقليب الأعيان واختراع الأشخاص أظهر في القدرة فإنه تعالى خلق الآدمي من نطفة متماثلة الأجزاء ومن أشياء كثيرة مختلفة المراتب متفاوتة الدرجات من لحم وعظم ودم وجلد وشعر وغيرها ثم خص كل جزء منها بتركيب عجيب وباختصاص غريب من السمع والبصر واللمس والمشي والذوق والشم وغيرها وهي أبلغ في إظهار كمال الإلهية والقدرة.
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ﴾ فتعالى شأنه من علمه الشامل وقدرته الباهرة ﴿أَحْسَنُ الْخَـالِقِينَ﴾ بدل من الجلالة أي أحسن الخالقين خلقاً أي المقدرين تقديراً حذف المميز لدلالة الخالقين عليه فالحسن للخلق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٠
وفي "الأسئلة المقحمة" : هذا يدل على أن العبد خالق أفعاله ويكون الرب أحسن منه في الخالقية فالجواب معناه أحسن المصورين لأن المصور يصور الصورة ويشكلها على صورة المخلوق أخبر به لأنه لا يبلغ في تصوريره إلى حد الخالق لأنه لن يقدر على أن ينفخ فيها الروح وقد ورد الخلق في القرآن بمعنى التصوير قال الله تعالى :﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْـاَةِ الطَّيْرِ﴾ (المائدة : ١١٠) أي وإذ تصور كذلك ههنا انتهى.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ يعني خلقاً غير المخلوقات التي خلقها من قبل وهو أحسنهم تقويماً وأكملهم استعداداً وأجلهم كرامة وأعلاهم رتبة وأخصهم فضيلة فلهذا أثنى على نفسه عند خليقته بقوله :﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَـالِقِينَ﴾ لأنه خلق أحسن المخلوقين حيث جعله معدن العرفان وموضع المحبة ومتعلق العناية (أي عزيز حق سبحانه وتعالى عرش وكرسي ولوح وقلم وملائكة ونجوم وسوموات وأرضين بيافريد وذات مقدس را بدين نوع ثناءكه بعد ازآفرينش إنسان فمرموده نفر موده واين دليل تفضيل وتكريم ايشانست.
بر ورق روى لطف إله
آيينة حسن كه تحرير كرد
٧٢
وفي "المثنوي" :
أي رخ زن زهرهاست شمس الضحى
أي كداي رنك توكلكونها
تاج كرمناست بر فرق سرت
طوق فضلناست آويزبرت
هي كرمنا شنيد أين آسمان
كه شنيد آن آدمي رغمان
أحسن التقويم در والتين بخواند
كه كرامي كوهرست أي دوست جان
كر بكويم قيمت آن ممتنع
من بسوزم هم بسوزد مستمع
(بعضي ازاهل وجدان كويندكه ون درين آيت أحوال بني آدم وترقي ازمقامي بمقامي بيان فرموده وآنست كه اورا زباني دإداء مراسم حمد وثنايي كه مستحق باركاه قدم باشد نخواهد بود درستايش ذات مقدس ازجناب أو نيابت نموده كفت) ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَـالِقِينَ﴾ روي : أن عبد الله بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله الوحي فلما انتهى عليه السلام إلى قوله ﴿خَلْقًا ءَاخَرَ﴾ سارع عبد الله إلى النطق به قبل إملائه عليه السلام فقال عليه السلام : اكتب هكذا أنزلت فشك عبد الله فقال : إن كان محمد يوحي إليه فأنا كذلك فلحق بمكة كافراً ثم أسلم يوم الفتح وقيل : مات على كفره ولما نزلت هذه الآية قال عمر رضي الله عنه فتبارك الله أحسن الخالقين فقال عليه السلام :"هكذا نزلت يا عمر" وكان يفتخر بتلك الموافقة انظر كيف وقعت هذه الواقعة سبباً لسعادة عمر رضي الله عنه وشقاوة ابن أبي سرح حسبما قال تعالى :﴿يُضِلُّ بِه كَثِيرًا وَيَهْدِي بِه كَثِيرًا﴾ لا يقال قد تكلم البشر ابتداء بمثل نظم القرآن وذلك فادح في إعجازه لما أن الخارج عن قدرة البشر ما كان مقدار أقصر سورة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٠