﴿ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَالِكَ﴾ أي بعدما ذكر من الأمور العجيبة ﴿لَمَيِّتُونَ﴾ لصائرون إلى الموت لا محالة كما تؤذن به صيغة النعت الدالة على الثبوت دون الحدوث الذي يفيده صيغة الفاعل.
وبالفارسية :(يعني مآل حال شما بمرك خواهد كشيد وساغر فنا از دست ساقي أجل خواهيد شيد).
قال بعضهم : من مات من الدنيا خرج إلى حياة الآخرة ومن مات من الآخرة خرج منها إلى الحياة الأصلية وهو البقاء مع الله تعالى.
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ أي عند النفخة الثانية ﴿تُبْعَثُونَ﴾ تخرجون من قبوركم للحساب والمجازاة بالثواب والعقاب.
وفي الآية إشارة إلى أن الإنسان بعد بلوغه إلى رتبة الإنسانية يكون قابلاً للموت مثل موت القلب وموت النفس وقابلاً لحشرهما وفي موت القلب حياة النفس وحشرها مودع وفي موت النفس حياة القلب وحشره مودع وحياة النفس بالهوى وظلمته وحياة القلب بالله ونوره كما قال تعالى :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـاهُ وَجَعَلْنَا لَه نُورًا﴾ الآية (الأنعام : ١٢٢) وهذا معنى حقيقة قوله :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ كذا في "التأويلات النجمية".
قال في "الأسئلة المقحمة" : عد سائر أطوار الآدمي من خلقه إلى أن يبعث ولم يذكر فيها شيئاً من سؤال القبر فدل على أنه ليس بشيء فالجواب لأنه تعالى ذكر الحياة الأولى التي هي سبب العمل والحياة الثانية التي هي سبب الجزاء وهما المقصودان من الآية ولا يوجب ذلك نفي ما يذكر انتهى.
اعلم أن الموت يتعلق بصعقة سطوات العزة وظهور أنوار العظمة والحياة تتعلق بكشف الجمال الأزلي هناك تعيش الأرواح والأشباح بحياة وصالية لا يجري بعدها موت الفراق والموت والحياة الصوريان من باب التربية الإلهية
٧٣
لأن في الفناء تربية أخرى في التراب وفي الحياة إظهار زيادة قدرة فينا بإدخال حياة ثانية في أشباحنا وتربية ثانية في أرواحنا فافهم جداً ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآاـاِقَ﴾ جمع طريقة كما أن الطرق جمع والمراد طباق السموات السبع كما قال في "المفردات" : طرائق السماء طباقها.
يعني (هفت آسمان طبقي بالاي طبقه) سميت بها لأنها طورق بعضها فوق بعض مطارقة النعل فإن كل شيء فوق مثله فهو طريقه.
﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ﴾ عن ذلك المخلوق الذي هو السموات.
﴿غَـافِلِينَ﴾ مهملين أمرها بل نحفظها عن الزوال والاختلال وندبر أمرها حتى تبلغ منتهى ما قدر لها من الكمال حسبما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة،
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٣
وقال الكاشفي :(يا از جميع آفريد كان غافل نيستيم برخير وشر ونفع وضرر وكفر وشرك ايشان مطلعيم).
قال أبو يزيد قدس سره في هذه الآي : إن لم تعرفه فقد عرفك وإن لم تصل إليه فقد وصل إليك وإن غبت أو غفلت عنه فليس عنك بغائب ولا غافل.
قال بعضهم : فوقنا حجب ظاهرة وباطنة ففي ظاهر السموات حجب تحول بيننا وبين المنازل العالية من العرش والكرسي وعلى القلوب أغطية كالمني والشهوات والإرادات الشاغلة والغفلات المتراكمة والله تعالى ليس بغافل عن سكنات الغافلين وحركات المريدين ورغبات الزاهدين ولحظات العارفين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٣
﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ﴾ من ابتدائية متعلقة بأنزلنا ﴿مَآءَ﴾ هو المطر ﴿بِقَدَرٍ﴾ (باندازه كه صلاح بند كان در آن دانستيم).
وفي "بحر العلوم" : بتقدير يسلمون معه من الضرر ويصلون إلى النفع.
﴿فَأَسْكَنَّـاهُ فِى الأرْضِ﴾ أي جعلنا ذلك الماء ثابتاً قاراً فيها.
﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابا بِهِ﴾ أي إزالته بالإفساد أو التصعيد أو التغوير بحيث يتعذر استنباطه حتى تهلكوا أنتم ومواشيكم عطشاً.
﴿لَقَـادِرُونَ﴾ كما كنا قادرين على إنزاله.
وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي عليه السلام :"إن الله تعالى أنزل من الجنة خمسة أنهار جيحون وسيحون ودجلة والفرات والنيل فأنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل استودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس"، فذلك قوله :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَا بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّـاهُ فِى الأرْضِ﴾ وإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود من البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة إلى السماء فذلك قوله :﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابا بِه لَقَـادِرُونَ﴾ فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خيري الدين والدنيا هذا حديث حسن كما في "بحر العلوم".
﴿فَأَنشَأْنَا لَكُم﴾ (س بيافريديم براي شما) ﴿بِهِ﴾ بسبب ذلك الماء ﴿جَنَّـاتٍ﴾ (بستانها) ﴿مِّن نَّخِيلٍ﴾ (زخرما بنان).
قال في "المفردات" : النخل : معروف ويستعمل في الواحد والجمع وجمعه نخيل ﴿وَأَعْنَـابٍ﴾ (وازتاك بنان).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٤