قال في "الجلالين" : أول ما نبت الزيتون نبت هناك.
﴿تَنابُتُ بِالدُّهْنِ﴾ (مي رويد باروغن) صفة أخرى لشجرة والباء متعلقة بمحذوف وقع حالاً منها أي تنبت ملتبسة به ومستصحبة له كما قال الراغب معناه تنبت والدهن موجود فيها بالقوة ويجوز كونها صلة معدية لتنبت كما في قولك : ذهبت بزيد أي تنبته بمعنى تتضمنه وتحصله فإن النبات حقيقة صفة للشجرة لا للدهن.
﴿وَصِبْغٍ﴾ (نان خورش) ﴿لِّلاكِلِينَ﴾ أي إدام لهم وذلك من قولهم اصطبغت بالحل وهو معطوف على الدهن جار على إعرابه عطف أحد وصفي الشيء على الآخر أي تنبت الجامع بين كونه دهناً يدهن به ويسرج به وكونه أدماً يصبغ فيه الخبز أي : يغمس للائتدام ويلون به كالدبس والخل مثلاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٤
وفي "التأويلات النجمية" : هي شجرة الخفي الذي يخرج من طور سيناء الروح بتأثير تجلي أنوار الصفات تنبت بالدهن وهو حسن الاستعداد لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة ومقر هذا الدهن هو الخفي الذي فوق الروح وهو سر بين الله وبين الروح لا تطلع عليه الملائكة المقربون وهو إدام لا آكلي الكونين بقوة الهمة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٤
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِى الانْعَـامِ﴾ (درهار ايان يعني إبل وبقر وغنم) ﴿لَعِبْرَةً﴾ لآية تعتبرون بحالها وتستدلون على عظيم قدرة خالقها ولطيف حكمته.
وبالفارسية :(يزى كه بدان اعتبار كريد وبرقدرت إلهي استدلال نمايند) فكأنه قيل : كيف العبرة؟ فقيل :﴿نُّسْقِيكُم﴾ (مي اشامانيم شمارا).
﴿مِّمَّا فِى بُطُونِهَا﴾ ما عبارة إما عن الألبان فمن تبعيضية والمراد بالبطون الجوف أو عن العلف الذي يتكون منه اللبن فمن ابتدائية والبطون على حقيقتها.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنه كما يخرج من بطون الأنعام من بين الفرث والدم لبناً خالصاً وفيه عبرة لأولي الأبصار فكذلك يخرج من بين فرث الصفات النفسانية وبين دم الصفات الشيطانية لبناً خالصاً من التوحيد والمحبة يسقي به أرواح الصديقين كما قال بعضهم :
سقاني شربة أحيا فؤادي
بكأس الحب من بحر الوداد
﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ غير ما ذكر من أصوافها وأوبارها وأشعارها.
قال الكاشفي :(ومرشماراست درايشان سودهاي بسياركه بعضي راسوار ميشويد وبرخي رابارميكنيد واز بعضي نتاج مسيتانيد وازيشم وموي ايشان بهره ميكيريد) ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ فتنتفعون بأعيانها كما تنتفعون بما يحصل منها وفي الحديث :"عليكم بألبان البقر فإنها ترمُّ من كل الشجر" أي تجمع وفي الحديث :"عليكم بألبان البقر وسمنانها وإياكم ولحومها فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء" وقد صح أن النبي عليه السلام ضحى عن نسائه بالبقر.
قال
٧٦
الحليمي : هذا ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاص ذلك به وهذا التأويلات مستحسن وإلا فالنبي عليه السلام لا يتقرب إلى الله تعالى بالداء فهو إنما قال ذلك في البقر لتلك اليبوسة.
وجواب آخر أنه عليه السلام ضحى بالبقر لبيان الجواز ولعدم تيسر غيره كذا في "المقاصد الحسنة" للإمام السخاوي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٦
﴿وَعَلَيْهَا﴾ أي على الأنعام فإن الحمل عليها لا يقتضي الحمل على جميع أنواعها بل يتحقق بالحمل على البعض كالإبل ونحوها وقيل : المراد هي الإبل خاصة لأنها المحمول عليها عندهم والمناسب للفلك فإنها سفائن البر ﴿وَعَلَى الْفُلْكِ﴾ أي السفينة.
قال الراغب : ويستعمل ذلك للواحد والجمع وتقديراهما مختلفان فإن الفلك إذا كان واحداً كان كبناء قفل وإذا كان جمعاً فكبناء حمر ﴿تُحْمَلُونَ﴾ يعني (برشتران درخشك وبركشتيها برترى برداشته مي شويد يعني شتر وكشتي شمارا برميدارند وازهر موضعي بموضعي ميبرند) وإنما لم يقل وفي الفلك كقوله :﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا﴾ (هود : ٤٠) لأن معنى الإيعاء ومعنى الاستعلاء كلاهما مستقيم لأن الفلك وعاء لمن يكون فيها حمولة له يستعليها فلما صح المعنيان صحت العبارتان وأيضاً هو يطابق قوله عليها ويزاوجه كذا في "بحر العلوم".
ودلت الآية على جواز ركوب البحر للرجال والنساء على ما قاله الجمهور وكره ركوبه للنساء لأن التستر فيه لا يمكنهن غالباً ولا غض البصر من المتصرفين فيه ولا يمكن عدم انكشاف عوراتهن في تصرفهن لا سيما فيما صغر من السفن مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال كما في "أنوار المشارق".


الصفحة التالية
Icon