قال في "الذخيرة" : إذا أراد أن يركب السفينة في البحر للتجارة أو لغيرها فإن كان بحال لو غرقت السفينة أمكنه دفع الغرق عن نفسه بكل سبب يدفع الغرق به حل له الركوب في السفينة وإن كان لا يمكنه دفع الغرق لا يحل له الركوب انتهى فالمفهوم من هذه المسألة حرمة الركوب في السفينة لمن لا يقدر على دفع الغرق عن نفسه مطلقاً سواء كان لطلب العلم أو التجارة أو الحج أو زيارة الأقارب أو صلة الرحم أو نحو ذلك وسواء كانت السلامة غالبة أو لا لكن المفهوم من بعض المسائل جوازه عند غلبة السلامة وإلا فلا.
قال في "شرح حزب البحر" : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن العاص صف لي البحر فقال : يا أمير المؤمنين مخلوق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود فقال عمر لا جرم لولا الحج والجهاد لضربت من يركبه بالدرة ثم منع ركوبه ورجع عن ذلك بعد مدة وكذلك وقع لعثمان رضي الله عنه ومعاوية ثم استقر الإجماع على جوازه بشرائطه انتهى.
والسباحة في الماء من سنن النبي، قال في "إنسان العيون" : كانت وفاة أبيه عليه السلام عبد الله بالمدينة ودفن في دار المتابعة بالتاء المثناة فوق وبالباء الموحدة والعين المهملة وهو رجل من بني عدي بن النجار أخوال أبيه عبد المطلب والنجار هذا اسمه تميم وقيل له : النجار لأنه اختتن بقدوم وهو آلة النجار ولما هاجر عليه السلام إلى المدينة ونظر إلى تلك الدار عرفها وقال : ههنا نزلت بي أمي وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله وأحسنت القوم السباحة في بئر بني عدي بن النجار ومن هذا ومما جاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه عليه السلام كان هو وأصحابه يسبحون في غدير في الجحفة فقال عليه السلام لأصحابه :"ليسبح كل رجل منكم إلى صاحبه" وبقي النبي عليه السلام
٧٧
وأبو بكر فسبح النبي إلى أبي بكر حتى اعتنقه وقال :"أنا وصاحبي أنا وصاحبي" وفي رواية :"أنا إلى صاحبي أنا إلى صاحبي" يعلم رد قول بعضهم : وقد سئل هل عام عليه السلام الظاهر لا لأنه لم يثبت أنه عليه السلام سافر في بحر ولا بالحرمين بحر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٦
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ اللام جواب قسم وتصدير القصة به لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها أي وبالله لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه وجاء في قصيدة جمال الدين :
من كثير الذنب نوحوا
نوح نوح في الرسل
إنه عمرا طويلا
من قليل النطق ناح
وهو أنه عليه السلام مر على كلب به جرب فقال : بئس الكلب هذا ثم ندم فناح من أول عمره إلى آخر ﴿فَقَالَ﴾ داعياً لهم إلى التوحيد يا قَوْمِ} (أي كروه من) وأصله يا قومي ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وحده كما دل عليه التعليل وهو ﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُه﴾ أي : ما لكم في الوجود أو في العالم غير الله فغير بالرفع صفة لآلة باعتبار محله الذي هو الرفع على أنه فاعل ومن زائدة أو مبتدأ خبره لكم.
﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام، أي ألا تعرفون ذلك أي مضمون قوله مالكم من إله غيره فلا تتقون عذابه بسبب إشراككم به في العبادة ما لا يستحق الوجود لولا إيجاد الله فضلاً عن استحقاق العبادة فالمنكر عدم الاتقاء مع تحقق ما يوجبه.
قال الكاشفي : يعني (ترسيداز عذاب وي وبعبادت غير أو ميل مكنيد).
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾ نوح الروح إلى قومه من القلب والسر والنفس والقالب وجوارحه :﴿فَقَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُه﴾ من الهوى والشيطان فعبادة القلب بقطع التعلقات والمحبة وعبادة السر بالتفرد بالتوحيد وعبادة النفس بتبديل الأخلاق وعبادة القالب بالتجريد وعبادة الجوارح بإقامة أركان الشريعة.
﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ بهذه العبادات عن الحرمان والخذلان وعذاب النيران.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٦
﴿فَقَالَ الْمَلَؤُا﴾ أي : الأشراف والسادة ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ﴾ أي : قالوا لعوامهم مبالغة في وضع الرتبة العالية وحطها عن منصب النبوة.
قال الكاشفي : ون اكابر قوم اصاغر را بدين ودعوت نوح مائل ديدند ايشانرا تنفير نموده كفتند) ﴿مَا هَـاذَآ﴾ (نيست أين كس كه مي خواند بتوحيد) ﴿إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ أي في الجنس والوصف من غير فرق بينكم وبينه.
قال الكاشفي :(مانند شما درخوردن وآشاميدن وغير آن) ﴿يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ أي يريد أن يطلب الفضل عليكم ويتقدمكم بإدعاء الرسالة مع كونه مثلكم.