قيل له عليه السلام : إذا فار الماء من التنور اركب أنت ومن معك وكان تنور آدم فصار إلى نوح فلما نبع منه الماء أخبرته امرأته فركبوا.
﴿فَاسْلُكْ فِيهَا﴾ أي أدخل في الفلك يقال : سلك فيه أي دخل وسلكه فيه أي أدخله ومنه قوله : ما سلككم في سقر ﴿مِن كُلٍّ﴾ من كل أمة ونوع ﴿زَوْجَيْنِ﴾ فردين مزدوجين ﴿اثْنَيْنِ﴾ تأكيد والمراد الذكر والأنثى (ودر تيسير كويد دركشتي نياورد مكر آنهاراكه مي زايندا بابيضه مي نهند).
﴿وَأَهْلَكَ﴾ منصوب بفعل معطوف على فاسلك أهلك والمراد به امرأته وبنوه وتأخير الأهل لما فيه من ضرب تفصيل بذكر الاستثناء وغيره ﴿إِلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ﴾ أي القول بإهلاك الكفرة ومنهم ابنه كنعان وأمه واغلة وإنما جيء بعلى لكونه السابق ضاراً كما جيء باللام في قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى﴾ (الأنبياء : ١٠١) لكونه نافعاً ﴿وَلا تُخَـاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ بالدعاء وإنجائهم ﴿إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ مقضي عليهم بالإغراق لا محالة لظلمهم بالإشراك وسائر المعاصي ومن هذا شأنه لا يشفع له ولا يشفع فيه كيف لا وقد أمر بالحمد على النجاة منهم بإهلاكهم بقوله تعالى :
﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ﴾ أي من أهلك وأشياعك أي اعتدلت في السفينة راكباً.
قال الراغب : استوى يقال على وجهين أحدهما أن يسند إليه فاعلان فصاعداً نحو استوى زيد وعمرو كذا أي تساويا قال تعالى :﴿لا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ﴾ (التوبة : ١٩) والثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته نحو فإذا استويت ومتى عدي بعلي اقتضى معنى الاستعلاء نحو ﴿الرَّحْمَـانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (طه : ٥) ﴿عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى نَجَّـاـانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ﴾ أفرد بالذكر مع شركة الكل في الاستواء والنجاة لإظهار فضله والإشعار بأن في دعائه وثنائه مندوحة عما عداه ﴿وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى﴾ أي : في السفينة أو منها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٩
قال الكاشفي (قولي آنست كه امر بدين دعا دروقت خروج ازكشتي بوده واشهر آنست كه دروقت دخول وخروج أين دعا فرموده) ﴿مُنزَلا مُّبَارَكًا﴾ أي : إنزالاً أو موضع إنزال يستتبع خيراً كثيراً وقرىء منزلاً بفتح الميم أي موضع نزول والنزول في الأصل هو الانحطاط من علو يقال : نزل عن دابته ونزل في مكان كذا حطا رحله فيه وأنزله غيره ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ﴾، وفي "الجلالين" : استجاب الله دعاءه حيث قال :﴿اهْبِطْ بِسَلَـامٍ مِّنَّا وَبَرَكَـاتٍ عَلَيْكَ﴾ (هود : ٤٨) فبارك فيهم بعد إنزالهم من السفينة حتى كان جميع الخلق من نسل نوح ومن كان معه في السفينة.
قال الكاشفي :(سلمى از ابن عطا نقل ميفرمايدكه منزل مبارك آن منزلست كه دراو ازهواجس نفساني ووساوس شيطاني أيمن باشند وآثار قرب ازجمال قدس نازل باشد :
هركجا رتو أنوار جمال بيشتر
بركت آن منزل ازهمه منازل افزونتر
در منزلي كه ياري روزي رسيده باشد
باذره هاي خاكش داريم مرحبائي
﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ الذي ذكر مما فعل به وبقومه.
﴿لايَـاتٍ﴾ جليلة يستدل بها أولو الأبصار ويعتبر بها ذوو الاعتبار ﴿وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ إن مخففة من إن واللام فارقة بينها وبين النافية وضمير الشأن محذوف أي وإن الشأن كنا مصيبي قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا لننظر من يعتبر ويتذكر.
قال الراغب : إذا قيل : ابتلى فلان
٨٠
بكذا وأبلاه فذلك يتضمن أمرين أحدهما : تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من أمره والثاني : ظهور جودته ورداءته دون التعرف بحاله والوقوف على ما يجهل من أمره إذا كان الله علام الغيوب انتهى.
واعلم أن البلاء كالملح وأن أكابر الأنبياء والأولياء إنما كانوا من أولى العزم ببلايا ابتلاهم الله بها فصبروا ألا ترى إلى حال نوح عليه السلام كيف ابتلى ألف سنة إلا خمسين عاماً فصبر حتى قيل له :﴿فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى نَجَّـاـانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ﴾ (المؤمنون : ٢٨) قال الحافظ :
كرت و نوح نبي صبر هست برغم طوفان
بلا بكردد وكام هزار ساله برآيد
ثم إن نوحاً عليه السلام دعا بهلاك قومه مأذوناً من الله تعالى فجاء القهر الإلهي إذ لم يؤثر فيهم اللطف الرحماني والمقصود من الدعاء إظهار الضراعة وهو نافع عند الله تعالى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٩
يحيى بن معاذ رحمه الله :(كفت عبادت قفلست كليدش دعا ودندانة كليدالقمة حلال واز جملة دعاء أو أين بودي بار خدايا اكر آن نكنى كه خواهم صبر برآنه توخواهي) وفي الآية إشارة إلى أن المؤمن ينبغي له أن يطلب منزلاً مباركاً يبارك له فيه حيث دينه ودنياه :
سعد يا حب وطن كره يثست صحيح
تتوان مرد بسختي كه من ايجا زادم
ولو تفكرت في أحوال الأنبياء وكمل الأولياء لوجدت أكثرهم مهاجرين إذ لا يمن في الإقامة بين قوم ظالمين.