﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ﴾ اسم فعل وهو بعد وتكريره لتأكيد البعد، أي : بعد الوقوع.
﴿لِمَا تُوعَدُونَ﴾ يعني :(آنه وعده داده ميشويد ازبعث وجزا هركز نباشد) أو بعدما توعدون واللام لبيان المستبعد كأنهم لما صوتوا بكلمة الاستبعاد قيل : لماذا هذا الاستبعاد لما توعدون.
﴿إِنْ هِىَ﴾ إن بمعنى ما، أي ما الحياة ﴿إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ الدانية الفانية ﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ مفسرة للجملة المتقدمة أي يموت بعضنا ويولد بعض إلى انقراض العصر أو يصيبنا الأمران الموت والحياة يعنون الحياة المتقدمة في الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة.
﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ بمنشرين بعد الموت كما تزعم يا هود انظر كيف عميت قلوبهم حتى لم يروا أن الإعادة أهون من الابتداء وأن الذي هو قادر على إيجاد شيء من العدم وإعدامه من الوجود يكون قادراً على إعادته ثانياً.
﴿إِنْ هُوَ﴾ أي : ما هود ﴿إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ أي : اخترع
٨٢
الكذب على الله فيما يدعيه من الإرسال والبعث.
قال الراغب : الفري قطع الجلد للخرز والإصلاح والإفراء للإفساد والافتراء فيهما وفي الإفساد أكثر ولذلك استعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم ﴿وَمَا نَحْنُ لَه بِمُؤْمِنِينَ﴾ بمصدقين فيما يقول.
﴿قَالَ﴾ هود بعد ما يئس من إيمانهم ﴿رَبِّ انصُرْنِى﴾ عليهم وانتقم لي منهم : وبالفارسية (أي روردكار من ياري كن مرا بغالبيت وايشانرا مغلوب كردان) ﴿بِمَا كَذَّبُونِ﴾ أي بسبب تكذيبهم إياي وإصرارهم عليه.
﴿قَالَ﴾ تعالى إجابة لدعائه وعدة بالقبول ﴿عَمَّا قَلِيلٍ﴾ أي عن زمان قليل وما مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد معنى القلة ﴿لَّيُصْبِحُنَّ﴾ أي ليصيرن أي الكفار المكذبون.
﴿نَـادِمِينَ﴾ على الكفر والتكذيب وذلك عند معاينتهم العذاب.
والندامة بالفارسية :(شيماني).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨٢
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ صيحة جبريل صاح عليهم صيحة هائلة تصدعت منها قلوبهم فماتوا والصيحة رفع الصوت.
فإن قلت : هذا يدل على أن المراد بالقرن المذكور في صدر القصة ثمود قوم صالح فإن عاداً أهلكوا بالريح العقيم.
قلت : لعلهم حين أصابتهم الريح العقيم أصيبوا في تضاعفها بصيحة هائلة أيضاً كما كان عذاب قوم لوط بالقلب والصيحة كما مر وقد روي أن شداد بن عاد حين أتم بناء إرم سار إليها بأهله فلما دنا منها بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا وقيل : الصيحة نفس العذاب والموت.
وفي "الجلالين" : فأخذتهم صيحة العذاب ﴿بِالْحَقِّ﴾ متعلق بالأخذ أي بالوجه الثابت الذي لا دافع له.
وفي "الجلالين" : بالأمر من الله.
﴿فَجَعَلْنَـاهُمْ﴾ فصيرناهم ﴿غُثَآءً﴾ أي كغثاء السيل لا ينتفع به وهو ما يحمله السيل على وجهه من الزبد والورق والعيدان كقولك : سال به الوادي لمن هلك.
قال الكاشفي :(غثاء : ون خاشاك آب آورده يعني هلاك كرديم ونابود ساختيم ون خس وخاشاك كه سيل آنرا بأطراف افكند وسياه كهنه كردد).
﴿فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ﴾ يحتمل الإخبار والدعاء.
قال الكاشفي :(س دوري باد ازرحمت خداي مركروه ستمكارانرا) وبعداً مصدر بعد إذا هلك وهو من المصادر التي لا يكاد يستعمل ناصبها، والمعنى بعدوا بعداً أي هلكوا واللام لبيان من قيل له بعداً.
وفي الآية إشارة إلى أن أهل الدنيا حين بغوا في الأرض وطغوا على الرسل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨٣
ومنعم كند سفله را روزكار
نهد بردل تنك درويش بار
و بام بندش بود خود رست
كند بول وخاشاك بربام ست
وقالوا لرسلهم ما قالوا لا يعلمون أن الرسل وأهل الله وإن كانوا يأكلون مما يأكل أهل الدنيا ولكن لا يأكلون كما يأكل هؤلاء فإنهم يأكلون بالإسراف وأهل الله يأكلون ولا يسرفون كما قال النبي عليه السلام :"المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعار".
لا جرم كافر خورد درهفت بطن
دين ودل باريك ولا غرزفت بطن
بل أهل الله يأكلون ويشربون بأفواه القلوب مما يطعمهم ربهم ويسقيهم حيث يبيتون عند ربهم.
قال حضرة الشيخ الشهير بأفتاده أفندي قدس سره : كان عليه السلام يبيت عند ربه فيطعمه ويسقيه من تجلياته المتنوعة وإنما أكله في الظاهر لأجل أمته الضيعفة وإلا فلا احتياج
٨٣
له إلى الأكل والشرب وما روى من أنه كان يشد الحجر فهو ليس من الجوع بل من كمال لطافته لئلا يصعد إلى الملكوت بل يستقر في الملك للإرشاد وقد وصف الله الكفار بشر الصفات وهي الكفر بالخالق وبيوم القيامة والانغماس في حب الدنيا ثم سجل عليهم بالظلم وأشار إلى أن هلاكهم إنما كان بسبب ظلمهم.
نماند ستمكار بدروزكار
بماند برو لعنت ايدار
فالظلم من شيم أهل الشقاوة والبعد وأنهم كالغثاء في عدم المبالاة بهم كما قال :"هؤلاء في النار ولا أبالي".


الصفحة التالية
Icon