﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَـارُونَ بآياتنا﴾ هي الآيات التسع من اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص الثمرات والطاعون ولا مساغ لعد فلق البحر منها ؛ إذ المراد الآيات التي كذبوها.
﴿وَسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ﴾ حجة واضحة ملزمة للخصم وهي العصا وخصصها لفضلها على سائر الآيات أو نفس الآيات عبر عنها بذلك على طريق العطف تنبيهاً على جمعها لعنوانين جليلين وتنزيلاً لتغايرها منزلة التغاير الذاتي.
﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلايْهِ﴾ أي : أشراف قومه من القبط خصوا بالذكر لأن إرسال بني إسرائيل منوط بآرائهم لا بآراء أعقابهم.
﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ عن الإيمان والمتابعة وعظم الكبر أن يتهاون العبيد بآيات ربهم وبرسالاته بعد وضوحها وانتفاء الشك عنها ويتعظموا عن امتثالها وتقبلها.
﴿وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾ متكبرين مجاوزين للحد في الكبر
٨٥
والطغيان أي كانوا قوماً عادتهم الاستكبار والتمرد ﴿فَقَالُوا﴾ عطف على استكبروا وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار أي قالوا فيما بينهم بطريق المناصحة ﴿أَنُؤْمِنُ﴾ الهمزة للإنكار بمعنى لا نؤمن وما ينبغي أن يصدر منا الإيمان.
﴿لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ وصف بالمثل الاثنان لأنه في حكم المصدر العام للإفراد والتثنية والجمع المذكر والمؤنث.
﴿وَقَوْمُهُمَا﴾ يعنون بني إسرائيل ﴿لَنَا﴾ متعلقة بقوله :﴿عَـابِدُونَ﴾ والجملة حال من فاعل نؤمن، أي : خادمون منقادون لنا كالعبيد وكأنهم قصدوا بذلك التعرض لشأنهما وحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨٣
قال الكاشفي :(در بعضى تفاسير آورده انده كه بني إسرائيل فرعون رامي رستيدند نعوذ بالله واوبت مي رستيد ياكوساله) أي فتكون طاعتهم لهم عبادة على الحقيقة.
﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ أي فاصروا على تكذيب موسى وهارون حتى يئسا من تصديقهم ﴿فَكَانُوا﴾ فصاروا ﴿مِنَ الْمُهْلَكِينَ﴾ بالغرق في بحر القلزم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨٣
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى﴾ أي : بعد إهلاكهم وإنجاء بني إسرائيل من أيديهم ﴿الْكِتَـابَ﴾ التوراة ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ لعل بني إسرائيل ﴿يَهْتَدُونَ﴾ إلى طريق الحق بالعمل بما فيها من الشرائع والأحكام.
﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ﴾ أي : عيسى ﴿وَأُمَّه ءَايَةً﴾ دالة على عظم قدرتنا بولادته منها من غير مسيس بشر فالآية أمر واحد مضاف إليهما أو جعلنا ابن مريم آية بأن تكلم في المهد فظهرت منه معجزات جمة وأمه آية بأنها ولدته من غير مسيس فحذف الأولى لدلالة الثانية عليها.
قال في "العيون" : آية أي عبرة لبني إسرائيل بعد موسى لأن عيسى تكلم في المهد واحيا الموتى ومريم ولدته من غير مسيس وهما آيتان قطعاً فيكون هذا من قبيل الاكتفاء بذكر إحداهما انتهى.
وتقديمه عليه السلام لأصالته فيما ذكر من كونه آية كما أن تقديم أمه في قوله :﴿وَجَعَلْنَـاهَا وَابْنَهَآ ءَايَةً لِّلْعَـالَمِينَ﴾ (الأنبياء : ٩١) لأصالتها فيما نسب إليها من الإحصان والنفخ ـ ـ وروي ـ ـ أن رسول الله عليه السلام صلى الصبح بمكة فقرأ سورة المؤمنين فلما أتى على ذكر عيسى وأمه أخذته شرقة فركع أي شرق بدمعه فعي بالقراءة ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ﴾ (وجاي داديم مادر وسررا وقتي كه ازيهود فرار كردند وباز آورديم بسوى ربوة از زمين بيت المقدس) أي أنزلناهما إلى مكان مرتفع من الأرض وجعلناه مأواهما ومنزلهما وهي إيليا أرض بيت المقدس فإنها مرتفعة وإنها كبد الأرض وأقربها إلى السماء بثمانية عشر ميلاً على ما يروى عن كعب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨٦
وقال الإمام السهيلي : أوت مريم بعيسى طفلاً إلى قرية من دمشق يقال لها ناصرة وبناصرة تسمى النصارى واشتق اسمهم منها.
قال الكاشفي :(آورداندكه مريم باسر وسر عم خود يوسف بن ماتان دوازده سال دران موضع بسر بردند وطعام عيسى ازبهاي ريسمان بودكه كه مادرش مي رشت وميفروخت).
يقول الفقير فيه إشارة إلى أن غزل القطن والكتان ونحوهما لكونه من أعمال خيار النساء، أحب من غزل القز ونحوه على ما أكب عليه أهل بروسة والديار التي يحصل فيها دود القز مع أن القز من زين أهل الدنيا وبه غالباً شهرة أربابها وافتخارهم.
﴿ذَاتِ قَرَارٍ﴾ (خداوند قرار يعني مقري منبسط وسهل كه برو آرام توان كرفت) وقيل : ذات ثمار
٨٦
وزروع فإن ساكنيها يستقرون فيها لأجلها.


الصفحة التالية
Icon