قال الراغب قرّ في المكان يقر قراراً إذا ثبت ثبوتاً خامداً وأصله من القر وهو البرد لأجل أن البرد يقتضي السكون والحر يقتضي الحركة ﴿وَمَعِينٍ﴾ وماء معين ظاهر جار فعيل من معن الماء إذا جرى وقيل : من العين والميم زائدة ويسمى الماء الجاري معيناً لظهوره وكونه مدركاً بالعيون وصف ماء تلك الربوة بذلك للإيذان بكونه جامعاً لفنون المنافع من الشرب وسقي ما يسقى من الحيوان والنبات بغير كلفة والتنزه بمنظره الحسن المعجب ولولا أن يكون الماء الجاري لكان السرور الأوفر فائتاً وطيب المكان مفقوداً ولأمر ما جاء الله بذكر الجنات مشفوعاً بذكر الماء الجاري من تحتها مسوقين على قران واحد ومن أحاديث "المقاصد الحسنة" :"ثلاث يجلون البصر النظر إلى الخضرة وإلى الماء الجاري وإلى الوجه الحسن" أي مما يحل النظر إليه فإن النظر إلى الأمرد الصبيح ممنوع.
قال الشيخ سعدي في حق من يديم النظر إلى النقاش عند نظر إلى النقش.
راطفل يكروزه هوشش نبرد
كه درصنع ديدن ه بالغ ه خرد
محقق همي بيند اندر إبل
كه در خوب رويان ين وكل
وهما علمان لبلدتين من بلاد الترك يكثر فيهما المحابيب.
وفي "التأويلات النجمية" : قوله :﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّه ءَايَةً﴾ يشير به إلى عيسى الروح الذي تولد من أمر كن بلا أب من عالم الأسباب وهو أعظم آية من آيات الله المخلوقة التي تدل على ذات الله ومعرفته لأنه خليفة الله وروح منه.
﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ﴾ أي : ربوة القالب فإنه مأوى الروح ومأوى الأمر بالأوامر والنواهي.
﴿ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ هو منزلهما ودار قرارهما يعني ما دام القالب يكون مأوى الروح ومقره، يكون ماأوى الأمر ومقره بأن لا تسقط عنه التكاليف وأما المعين فهو عين الحكمة الجارية من القلب على اللسان انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨٦
اللهم يا معين اجعلنا من أهل المعين.
يا اأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَـاتِ} خطاب لجميع الرسل لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة بل على معنى أن كل رسول منهم خوطب به في زمانه ونودي ووصى ليعلم السامع أن إباحة الطيبات للرسل شرع قديم وأن أمراً نودي له جميع الأنبياء ووصوا به حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه أي وقلنا لكل رسول كل من الطيبات واعمل صالحاً فعبر عن تلك الأوامر المتعدد المتعلقة بالرسل بصيغة الجمع عند الحكاية إجمالاً للإيجاز.
وقال بعضهم إنه خطاب لرسول الله وحده على دأب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجمع للتعظيم وفيه إبانة لفضله وقيامه مقام الكل في حيازة كمالاتهم.
وقد جمع الرحمن فيك لمعاجزا
آنكه خوبان همه دارند توتنها داري
والطيبات ما يستطاب ويستلذ من مباحات المآكل والفواكه.
﴿وَاعْمَلُوا صَـالِحًا﴾ أي عملاً صالحاً فإنه المقصود منكم والنافع عند ربكم وهذا الأمر للوجوب بخلاف الأول وفيه رد وهدم لما قال بعض المبيحين من أن العبد إذا بلغ غاية المحبة وصفا قلبه واختار الإيمان على الكفر من غير نفاق سقط عنه الأعمال الصالحة من العبادات الظاهرة وتكون عبادته التفكر، وهذا كفر وضلال فإن أكمل الناس في المحبة والإيمان هم الرسل خصوصاً حبيب الله مع
٨٧
أن التكاليف بالأعمال الصالحة والعبادات في حقهم أتم وأكمل.
﴿إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الأعمال الظاهرة والباطنة ﴿عَلِيمٌ﴾ فأجازيكم عليه.
وفي الآية دلالة على بطلان ما عليه الرهابنة من رفض الطيبات يعني على تقدير اعتقادهم بأن ليس في دينهم أكل الطيبات.
واعلم أن تأخير ذكر العمل الصالح يدل على أن تكون نتيجته أكل الحلال.
وفي "المثنوي".
علم وحكمت زايد ازلقمه حلال
عشق ورقت آيد ازلقمه جلال
ون زلقمه توحسد بيني ودام
جهل وغفلت زايد آنرا دان حرام
هي كندم كاري وجو بردهد
ديدة اسبي كه كرة خر دهد
لقمه تخمست وبرش انديشها
لقمه بحر وكوهرش انديشها
زايد ازلقمة حلال اندر دهان
ميل خدمت عزم رفتن آن جهان
قال الراغب : أصل الطيب ما تستلذه الحواس والنفس والطعام الطيب في الشرع ما كان متناولاً من حيث ما يجوز وبقدر ما يجوز من المكان الذي يجوز فإنه متى كان كذلك كان طيباً عاجلاً وآجلاً لا يستوخم وإلا فإنه وإن كان طيباً عاجلاً لم يطب آجلاً، وفي الحديث :"أن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" : قال صاحب "روضة الأخبار".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨٦
فرموده لقمه كه دراصل نباشد حلال
زونقتد مرد مكر درضلال
قطرة باران توون صاف نيست
كوهر درياي توشفاف نيسث


الصفحة التالية
Icon