وكان عيسى عليه السلام يأكل من غزل أمه وكان رزق نبينا عليه السلام من الغنائم وهو أطيب الطيبات روي : عن أخت شداد أنها بعثت إلى رسول الله بقدح من لبن في شدة الحر عند حظره وهو صائم فرده إليها وقال : من أين لك هذا فقالت : من شاة لي ثم رده وقال من أين هذه الشاة فقالت اشتريتها بمالي فأخذه ثم إنها جاءته وقالت يا رسول الله لم رددته فقال : بذلك أمرت الرسل أن لا يأكلوا إلا طيباً ولا يعملوا إلا صالحاً".
قال الإمام الغزالي رحمه الله : إذا كان ظاهر الإنسان الصلاح والستر فلا حرج عليك في قبول صلاته وصدقته ولا يلزمك البحث بأن تقول قد فسد الزمان فإن هذا سوء ظن بذلك الرجل المسلم بل حسن الظن بالمسلمين مأمور به.
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله : لأن أصوم النهار وأفطر الليل على لقمة حلال أحب إلى من قيام الليل وصوم النهار وحرام على شمس التوحيد أن تحل قلب عبد في جوفه لقمة حرام ثم إن أكل الطيبات وإن رخص فيه لكنه قد يترك قطعاً للطبيعة عن الشهوات.
قال أبو الفرج بن الجوزي ذكر القلب في المباحات يحدث له ظلمة فكيف تدبير الحرام إذا غير المسك الماء منع الوضوء به فكيف ولوغ الكلب ولذا قال بعض الكبار من اعتاد بالمباحات حرم لذة المناجاة اللهم اجعلنا من أهل التوجه والمناجاة.
﴿وَإِنَّ هَـاذِهِ﴾ أي : ملة الإسلام والتوحيد وأشير إليها بهذه للتنبيه على كمال ظهور أمرها في الصحة والسداد وانتظامها بسبب ذلك في سلك الأمور المشاهدة ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ أي : ملتكم وشريعتكم أيها الرسل.
قال القرطبي الأمة هنا الدين ومنه إنا وجدنا آباءنا على أمة أي على دين مجتمع.
﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ حال من هذه أي ملة وشريعة متحدة في أصول الشرائع التي لا تتبدل بتبدل الأعصار وأما الاختلاف
٨٨
في الفروع فلا يسمى اختلافاً في الدين فالحائض والطاهر من النساء دينهما واحد وإن افترق تكليفهما.
وقيل : هذه إشارة إلى الأمم المؤمنة للرسل والمعنى أن هذه جماعتكم واحدة متفقة على الإيمان والتوحيد في العبادة ولا يلائمه قوله تعالى : من غير أن يكون لي شريك في الربوبية ﴿فَاتَّقُونِ﴾ أي : في شق العصا ومخالفة الكلمة والضمير للرسل والأمم جميعاً على أن الأمر في حق الرسل للتهييج والإلهاب وفي حق الأمم للتحذير والإيجاب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨٦
وفي "التفسير الكبير" : فيه تنبيه على أن دين الجميع واحد فيما يتصل بمعرفة الله تعالى واتقاء معاصيه.
﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ﴾ أي جعلوا أمر دينهم مع اتحاده قطعاً متفرقة وأدياناً مختلفة ﴿زُبُرًا﴾ حال من أمرهم، أي قطعاً جمع زبور بمعنى الفرقة.
وبالفارسية :(ارها يعني كروه كروه شدتد واختلاف كردند).
﴿كُلُّ حِزْب﴾ أي جماعة من أولئك المتحزبين ﴿بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ من الدين الذي اختاروه ﴿فَرِحُونَ﴾ معجبون معتقدون أنه الحق.
قال بعض الكبار : كيف يفرح العبد بما لديه وليس يعلم ما سبق له في محتوم العلم ولا ينبغي للعارفين أن يفرحوا بما دون الله من العرش إلى الثرى بل العارف الصادق إذا استغرق في بحار المعرفة فهمومه أكثر من فرحه لما يشاهد من القصور في الإدراك.
قال الشيخ سعدي :(عاكفان كعبة جلالش بتقصير عبادت معتر فندكه ما عبدناك حق عبادتك وواصفان حلية جمالش بتحير منسوب كه ما عرفناك حق معرفتك :
كركسي وصف اوز من رسد
بي دل ازبي نشان ه كويد باز
عاشقان كشتكان معشوقند
برنيايد زكشتكان آواز
﴿فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ﴾ شبه ما هم فيه من الجهالة بالماء الذي يغمر القامة ويسترها لأنهم مغمورون فيها لاعبون بها.
قال الراغب : أصل الغمر إزالة أثر الشيء ومنه قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر مسيله غمر وغامر والغمرة معظم الماء الساترة لمقرها وجعل مثلاً للجهالة التي تغمر صاحبها والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أي اتركهم يعني الكفار المتفرقة على حالهم ولا تشغل قلبك بهم وبتفرقهم.
﴿حَتَّى حِينٍ﴾ هو حين قتلهم أو موتهم على الكفر أو عذابهم فهو وعيد لهم بعذاب الدنيا والآخرة وتسلية لرسول الله ونهى له عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخيره.
﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ﴾ الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه وما موصولة، أي أيظن الكفرة أن الذي نعطيهم إياه ونجعله مدداً لهم ﴿مِن مَّالٍ وَبَنِينَ﴾ بيان للموصول وتخصيص البنين لشدة افتخارهم بهم.
﴿نُسَارِعُ﴾ به ﴿لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ﴾ فيما فيه خيرهم وإكرامهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨٦