﴿أولئك﴾ المنعوتون بما فصل من النعوت الجليلة خاصة دون غيرهم.
﴿يُسَـارِعُونَ﴾ (مي شتابند) ﴿فِى الْخَيْرَاتِ﴾ أي : في نيل الخيرات التي من جملتها الخيرات العاجلة الموعودة على الأعمال الصالحة كما قال تعالى :﴿فَـاَاتَـاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الاخِرَةِ﴾ (آل عمران : ١٤٨) ﴿وَوَهَبْنَا لَه إِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَـابَ﴾ (العنكبوت : ٣٧) لأنهم إذا سورع بها لهم فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها فيكون أثبت لهم ما نفى عن الكفار.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٠
قال في "الإرشاد" : ايثار كلمة في على كلمة إلى للإيذان بأنهم متقلبون في فنون الخيرات لا أنهم خارجون عنها متوجهون إليها بطريق المسارعة كما في قوله تعالى :﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾ (آل عمران : ١٣٣) ألخ ﴿وَهُمْ لَهَا سَـابِقُونَ﴾ أي : إياها سابقون متقدمون واللام لتقوية عمل اسم الفاعل أي ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا.
قال بعض الكبار : بالمسارعات إلى الخيرات تبتغى درجة السابقين ويطلب مكارم الواصلين لا بالدواعي والإهمال وتضييع الأوقات من أراد الوصول إلى المقامات من غير آداب ورياضات ومجاهدات فقد خاب وخسر وحرم الوصول إليها.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿أولئك يُسَـارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ﴾ إلخ، أي : هم المتوجهون إلى الله المعرضون عما سواه المسارعون بقدم الصدق والسعي الجميل على حسب ما سبقت لهم من الله الحسنى ﴿وَهُمْ لَهَا سَـابِقُونَ﴾ على قدر سبق العناية انتهى.
يعني بقدر سبق العناية يسبق العبد على طريق الهداية فلكل سالك حظوة ولذا قال بعض الكبار : جنة النعيم لأصحاب العلوم وجنة الفردوس لأصحاب الفهوم وجنة المأوى لأصحاب التقوى وجنة عدن للقائمين بالوزن وجنة الخلد للمقيمين على الودّ وجنة المقامة لأهل الكرامة وليس في مقدور البشر مراقبة الله تعالى في السر والعلن مع الأنفاس فإن ذلك من خصائص الملأ الأعلى وأما رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكانت له هذه الرتبة لكونه مسرعاً في جميع أحواله فلا يوجد إلا في واجب أو مندوب أو مباح فهذا هو السبق الأعلى والمسارعة العليا حيث
٩١
لا قدم فوقه نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المسارعين إلى الخيرات ومراقبي الأنفاس مع الله في جميع الحالات كما قال ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَآاـاِمُونَ﴾ (المعارج : ٢٣).
﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا﴾ من النفوس ﴿إِلا وُسْعَهَا﴾ قدر طاقتها فقول لا إله إلا الله والعمل بما يترتب عليه من الأحكام من قبيل ما هو الوسع،
قال مقاتل : من لم يستطع القيام فليصل قاعداً ومن لم يستطع القعود فليومىء إيماء.
قال الحريري : لم يكلف الله العباد معرفته على قدره وإنما كلفهم على أقدارهم ولو كلفهم على قدره لما عرفوه لأنه لا يعرفه على الحقيقة أحد سواه.
قال الجامي :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٠
عمري خرد وشمه هاشمها كشاد
تابر كمال كنه إله افكند نكاه
ليكن كشيد عاقبتش در دو ديده نيل
شكل ألف كه حرف نخست است إزاله
﴿وَلَدَيْنَا﴾ عندنا ﴿كِتَابٌ﴾ صحائف أعمال قد أثبت فيها أعمال كل أحد على ما هي عليه ﴿يَنطِقُ بِالْحَقِّ﴾ بالصدق لا يوجد فيه ما يخالف الواقع، أي يظهر الحق ويبينه للناظر كما يبينه النطق ويظهر للسامع فينظر هناك أعمالهم ويترتب عليها أجزيتها إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وبالفارسية :(ونزد ما هست نامة أعمال هركس كه سخن كويد براستي وكواهي دهد بركردار هركس).
﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ في الجزاء بنقص ثواب أو بزيادة عذاب بل يجزون بقدر أعمالهم التي كلفوها ونطقت بها صحائفها بالحق.
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مِّنْ هَـاذَا﴾ أي بل قلوب الكفرة في غفلة غامرة أي ساترة لها من هذا الذي بين في القرآن من أن لديه كتاباً ينطق بالحق ويظهر لهم أعمالهم السيئة على رؤوس الأشهاد فيجزون بها.
﴿وَلَهُمْ أَعْمَـالٌ﴾ خبيثة كثيرة ﴿مِّن دُونِ ذَالِكَ﴾ الذي ذكر من كون قلوبهم في غفلة عظيمة مما ذكر وهي فنون كفرهم ومعاصيهم التي من جملتها ما سيأتي من طعنهم في القرآن.
﴿هُمْ لَهَا عَـامِلُونَ﴾ معتادون فعلها.
﴿حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم﴾ غاية لأعمالهم المذكورة ومبتدأ لما بعدها من مضمون الشرطية أي لا يزالون يعملون أعمالهم إلى حيث إذا أخذنا متنعميهم ورؤساءهم ﴿بِالْعَذَابِ﴾ الأخروي إذ هو الذي يفاجئون عنده الجؤار فيجابون بالرد والإقناط وأما عذاب يوم بدر فلم يوجد لهم عنده جوار فالضمير في قوله :﴿حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا﴾ راجع إلى المترفين أي فاجؤوا الصراخ بالاستغاثة أي يرفعون أصواتهم بها ويتضرعون في طلب النجاة فإن أصل الجؤار دفع الصوت بالتضرع وجأر الرجل إلى الله تضرع بالدعاء.