﴿حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ﴾ حتى التي يبتدأ بها الكلام دخلت على الجملة الاسمية وهي مع ذلك غاية لما قبلها متعلقة بيصفون أي يستمرون على سوء الذكر حتى إذا جاء أحدهم كافراً، أي أحد كان الموت الذي لا مرد له وظهرت له أحوال الآخرة ﴿قَالَ﴾ تحسراً على ما فرط فيه من الإيمان والعمل.
﴿رَبِّ﴾ يا رب ﴿ارْجِعُونِ﴾ ردني إلى الدنيا والواو لتعظيم المخاطب لأن العرب تخاطب الواحد الجليل الشأن بلفظ الجماعة وفيه رد على من يقول الجمع للتعظيم في غير المتكلم إنما ورد في كلام المولدين ثم إنه يقول له إلى أي شيء تذهب إلى جمع المال أو غرس الغراس أو بناء البنيان أو شق الأنهار فيقول :﴿لَعَلِّى أَعْمَلُ صَـالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ أي : في الإيمان الذي تركته أي لعلي أعمل في الإيمان الذي آتي به البتة عملاً صالحاً فلم ينظم الإيمان في سلك الرجاء كسائر الأعمال الصالحة بأن يقول لعلي أو من فأعمل إلخ للإشعار بأنه أمر مقرر الوقوع غني عن الإخبار بوقوعه فضلاً عن كونه مرجو الوقوع.
وقال في "الجلالين" :﴿لَعَلِّى أَعْمَلُ صَـالِحًا﴾ أي أشهد بالتوحيد ﴿فِيمَا تَرَكْتُ﴾ حين كنت في الدنيا انتهى.
قال بعضهم : الخطاب في ارجعون لملك الموت وأعوانه وذكر الرب للقسم كما في "الكبير" واستعان بالله أولاً ثم بهم كما في "الأسئلة المقحمة" وكما قال الكاشفي :(أمام ثعلبي باجمعي مفسران برانندكه خطاب با ملك الموت وأعوان أوست أول بكلمة رب استعانة مي نمايند بخداي وبكلمة ارجعون رجوع مي نمايند بملائكة).
ويدل عليه قوله عليه السلام :"إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : أنرجعك إلى الدنيا فيقول : إلى دار الهموم والأحزان
١٠٥
بل قدوماً إلى الله تعالى وأما الكافر فيقول : ارجعون" وقيل : أريد بقوله : فيما تركت فيما قصرت فتدخل فيه العبادات البدنية والمالية والحقوق.
قال في "الكبير" : وهو أقرب كأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا ما أفسدوه.
يقول الفقير فالمراد بالعمل الصالح هو العمل المبني على الإيمان لأنه وإن كان عمل عملاً في صورة الصالح لكنه كان فاسداً في الحقيقة حيث أحبطه الكفر فلما شاهد بطلانه رجا أن يرجع إلى الدنيا فيؤمن ويعمل عملاً صالحاً صورة وحقيقة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٠٤
وقال القرطبي : سؤال الرجعة غير مختص بالكافر أي بل يعم المؤمن المقصر.
قال في "حقائق البقلي" : بين الله سبحانه أن من كان ساقطاً عن مراتب الطاعات لم يصل إلى الدرجات ومن كان محروماً من المراقبات في البدايات كان محجوباً عن المشاهدات والمعاينات في النهايات وأن أهل الدعاوى المزخرفات والترهات تمنوا في وقت النزع أن لم تمض عليهم أوقاتهم بالغفلة عن الطاعات ولم يشتغلوا بالدعاوى المخالفات والمحالات فأقبل على طاعة مولاك واجتنب الدعاوى واطلاق القول في الأحوال فإن ذلك فتنة عظيمة هلك في ذلك طائفة من المريدين وما فزع أحد إلى تصحيح المعاملات إلا أداه بركة ذلك إلى قرب الرب ومقام الأمن ولا ترك أحد هذه الطريقة إلا تعطل وفسد ووقع في الخوف العظيم وتمنى حين لا ينفع التمني.
قال الحافظ :
كاري كنيم ورنه خجالت بر آمرد
روزي كه رخت جان بجهان دكر كشيم
وقال الخجندي :
علم وتقوى سر بسر دعويست ومعنى ديكرست
مرد معنى ديكر وميدان دعوى ديكرست
﴿كَلا﴾ ردع عن طلب الرجعة واستبعاد لها أي لا يرد إلى الدنيا أبداً.
﴿إِنَّهَا﴾ أي قوله رب ارجعون.
﴿كَلِمَةٌ﴾ الكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضه مع بعض ﴿هُوَ﴾ أي ذلك الأحد ﴿قَآاـاِلُهَا﴾ عند الموت لا محالة لتسلط الحزن عليه ولا يجاب لها.
﴿وَمِن وَرَآاـاِهِم﴾ فعال ولامه همزة عند سيبويه وأبي على الفارسي وياء عند العامة وهو من ظروف المكان بمعنى خلف وأمام أي من الأضداد.
والمعنى أمام ذلك الأحد والجمع باعتبار المعنى لأنه في حكم كلهم كما أن الأفراد في قال وما يليه باعتبار اللفظ.
﴿بَرْزَخٌ﴾ حائل بينهم وبين الرجعة وهو القبر.
وفي "التأويلات النجمية" : وهو ما بين الموت إلى البعث، أي بين الدنيا والآخرة وهو غير البرزخ الذي بين عالم الأرواح المثالي وبين هذه النشأة العنصرية.
﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ يوم القيامة وهو إقناط كلي من الرجعة إلى الدنيا لما علم أن لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا وأما الرجعة حينئذٍ فإلى الحياة الأخروية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٠٤


الصفحة التالية
Icon