﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـاكُمْ عَبَثًا﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء للعطف على مقدر.
والحسبان بالكسر الظن وعبثاً حال من نون العظمة بمعنى عابثين وهو ما ليس لفاعله غرض صحيح أو ارتكاب أمر غير معلوم الفائدة.
والمعنى أغفلتم وظننتم من فرط غفلتكم أنا خلقناكم بغير حكمة.
﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ عطف على أنما خلقناكم أي وحسبتم عدم رجوعكم إلينا يعني أن المصلحة من خلقكم الأمر بالعمل ثم البعث للجزاء ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه.
قال الترمذي : إن الله خلق الخلق ليعبدوه فيثيبهم على العبادة ويعاقبهم على تركها فإن عبدوه فإنهم عبيد أحرار كرام من رق الدنيا ملوك في دار السلام وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أباق سقاط لئام وغداً أعداء في السجون بين أطباق النيران.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـاكُمْ عَبَثًا﴾ بلا معنى ينفعكم أو يضركم حتى عشتم كما يعيش البهائم فما تقربتم إلينا بالأعمال الصالحات للتقرب وحسبتم ﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ باللطف والقهر.
فالرجوع باللطف بأن يموت بالموت الاختياري قبل الموت الاضطراري وهو بأن ترجعوا من أسفل سافلين الطبيعة على قدمي الشريعة والطريقة إلى أعلى عليين عالم الحقيقة.
والرجوع بالقهر بأن ترجعوا بعد الموت الاضطراري فتقادون إلى النار بسلاسل تعلقاتكم بشهوات الدنيا وزينتها وأغلال صفاتكم الذميمة.
وعن بهلول قال : كنت يوماً في بعض شوارع البصرة فإذا بصبيان يلعبون بالجوز واللوز وإذا أنا بصبي ينظر إليهم ويبكي فقلت : هذا صبي يتحسر على ما في أيدي الصبيان ولا شيء معه فيلعب به فقلت أي بني ما يبكيك أشتري لك من الجوز واللوز ما تلعب به مع الصبيان فرفع بصره إليّ وقال : يا قليل العقل ما للعب خلقنا فقلت : أي بني فلماذا خلقنا فقال : للعلم والعبادة فقلت من أين لك ذلك بارك الله فيك قال : من قول الله تعالى :﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ قلت له : بني أراك حكيماً فعظني وأوجز فأنشأ يقول :
أرى الدنيا تجهز بانطلاق
مشمرة على قدم وساق
فلا الدنيا بباقية لحي
ولا حي على الدنيا بباق
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٠
كأن الموت والحدثان فيها
إلى نفس الفتى فرسا سباق
فيا مغرور بالدنيا رويداً
ومنها خذ لنفسك بالوثاق
ثم رمق السماء بعينيه وأشار إليها بكفيه ودموعه تنحدر على خديه وهو يقول :
يا من إليه المبتهل
يا من عليه المتكل
يا من إذا ما آمل
يرجوه لم يخط الأمل
قال : فلما أتم كلامه خر مغشياً عليه فرفعت رأسه إلى حجري ونفضت التراب عن وجهه بكمي فلما أفاق قلت : له أي بني ما نزل بك وأنت صبي صغير لم يكتب عليك ذنب قال إليك عني
١١١
يا بهلول أني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تقد إلا بالصغار وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنم قال : فسألت عنه فقالوا ذاك من أولاد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قلت قد عجبت من أن تكون هذه الثمرة إلا من تلك الشجرة نفعنا الله به وبآبائه.
قال الشيخ أبو بكر الواسطي :(روزي أين آيت مي خواند فرمودكه ني ني خلق بعبث نيا فريد بلكه خواست كه هتىء وى آشكارا شود واز مصنوعات وي بصفات كماليه أوراه برند.
وكفته اند شمارا ببازي نيافريده ايم بلكه براي ظهور نور محمد عليه السلام آفريده ايم ودر ازل مقررشده بودكه آن كوهر تابان از صدق جنس أنس بيرون آيد س أواصلت وشما همه فرع أوييد :
هفت ونه واركه رداختند
خاص بي موكب أو ساختند
أوست شه وآدميان جمله خيل
أصل وي وجملة عالم طفيل
دربحر الحقائق كفته كه شمارا براي آن آفريدم تابر من سود كنيدنه بجهت آنكه من برشما سودكنم كما قال تعالى :"خلقت الخلق ليربحوا علي لا لأربح عليهم" وكويند ملائكة را آفريد تامنظر قدرت باشند وآدميانرا خلق كرد تامخزن جوهر محبت باشنده.
در بعضي كتب سماوي هست كه أي فرزند آدم همه اشيا براي شما آفريدم وشمارا براي خودسر "كنت كنزاً مخفياً" اينجا ظهور تمام دارد) كما أشار إليه المولوي قدس الله سره في "المثنوي" :
أي ظهور تو بكلى نور نور
كنج مخفي ازتو آمد در ظهور
كنج مخفي بود زر اك كرد
خاك را تابان تر از أفلاك كرد
كنج مخفي بدزري وش كرد
خاك را سلطان باطلس وش كرد
خويش تشناخت مسكين آدمي
از فزوني آمد وشد دركمي
خويشتن آدمي ارزان فروخت
بود اطلس خويش را بردلق دوخت
أي غلامت عقل تدبيرات هوش
ون نيني خويش را ارزان فروش
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٠
﴿فَتَعَـالَى اللَّهُ﴾ ارتفع بذاته وتنزه عن مماثلة المخلوقين في ذاته وصفاته وأفعاله وعن خلو أفعاله عن الحكم والمصالح والغايات الجليلة ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ الذي يحق له الملك على الإطلاق إيجاداً وإعداماً بدأ وإعادة وإحياء وإماتة وعقاباً وإثابة وكل ما سواه مملوك له مقهور تحت ملكه العظيم.


الصفحة التالية
Icon