قال الجنيد رحمه الله : الشفقة على المخالفين كالإعراض عن الموافقين وذكر اليوم الآخر لتذكر ما فيه من العقاب في مقابلة المسامحة والتعطيل وإنما سمي يوم القيامة اليوم الآخر لأنه لا يكون بعده ليل فيصير كله بمنزلة يوم واحد وقد قيل أنه تجتمع الأنوار كلها وتصير في الجنة يوماً واحداً وتجتمع الظلمات كلها وتصير في النار ليلة واحدة.
﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآاـاِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الشهود الحضور والعذاب الإيجاع الشديد.
قال بعضهم : التعذيب إكثار الضرب بعذبة السوط أي طرفه وقيل غير ذلك وفي تسميته عذاباً دليل على أنه عقوبة ويجوز أن يسمي عذاباً لأنه ألم مانع من المعاودة كما سمى نكالاً أي عقاباً يردع عن المعاودة والطائفة فرقة يمكن أن تكون حافة حول الشيء وحلقة من الطوف والمراد به جمع يحصل به التشهير والزجر وقوله : من المؤمنين لأن الفاسقين من صلحاء قومه أخجل وظاهر الأمر الوجوب لكن الفقهاء قالوا بالاستحباب، والمعنى لتحضره زيادة في التنكيل فإن التفضيح قد ينكل أكثر مما ينكل التعذيب.
وبالفارسية :(وبايد كه حاضر شونددر وقت عذاب آن دوتن يعني درزمان أقامت برايشان كروهي ازمؤمنان تاتشهير ايشان حاصل وآن تفضيح مانع كردد ازمعاودت بأمثال آن عمل) فحد غير المحصن جلد مائة وسطاً بسوط لا ثمرة له ويجلد الرجل قائماً وينزع عنه ثيابه إلا إزاره ويفرق على بدنه إلا رأسه ووجهه وفرجه وتجلد المرأة قاعدة لا ينزع من ثيابها إلا الحشو والفرو وجاز الحفر لها لا له ولا يجمع بين جلد ورجم ولا بين جلد ونفي إلا سياسة ويرجم مريض زنى ولا يجلد حتى يبرأ وحامل زنت ترجم حين وضعت وتجلد بعد النفاس وللعبد نصفها ولا يحده سيده إلا بإذن الإمام خلافاً للشافعي وفي الحديت :"إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٤
واعلم أن الزنى حرام وكبيرة روي حذيفة رضي الله عنه، عنه عليه السلام :"يا معشر الناس اتقوا الزنى فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة.
أما التي في الدنيا فيذهب البهاء ويورث الفقر وينقص العمر.
وأما التي في الآخرة فسخط الله وسوء الحساب وعذاب النار" ومن الزنى
١١٥
زنى النظر والنظرة سهم مسموم من سهام إبليس : وفي "المثنوي" :
أين نظر ازدور ون تيراست وسم
عشقت افزون ميكند صبر توكم
وفي "التأويلات النجمية" : قوله :﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ يشير إلى النفس إذا زنت وزناها بأن استسلمت لتصرفات الشيطان والدنيا فيها بما نهاها الله عنه وإلى الروح إذا زنى وزناه تصرفه في الدنيا وشهواتها مما نهاه الله عنه.
﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِا ئَةَ جَلْدَةٍ﴾ من الجوع وترك الشهوات والمرادات تزكية لهما.
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِا ئَةَ جَلْدَةٍا وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ﴾ يعني : إذا ادعيتم محبة الله فابغضوا مخالفي أمره ولا ترجموا أنفسكم وأرواحكم على مخالفة الله فإنهم يظلمون أنفسهم بجهلهم بحالهم وأن رحمتكم عليهم في ترك تزكيتهم وتأديبهم كترك الولد علاج ولده المريض شفقة عليه لينهكه المرض فأدبوهما ﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِا وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآاـاِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يشير إلى شهود أهل الصحبة وأن يزكي النفس ويؤدب الروح بمشهد شيخ وأصل كامل ليحفظه من طرفي الإفراط والتفريط ويهديه إلى صراط مستقيم هو صراط يسلكه فيه.
قطع أين مرحله بي همر هي خضر مكن
ظلماً تست بترس از خطر كمراهي
﴿الزَّانِى لا يَنكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَآ إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ النكاح إنما ورد في القرآن بمعنى العقد أي التزوج لا الوطء.
قال الراغب أصل النكاح للعقد ثم استعير للجماع ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشاً ما يستفظعونه لما يستحسنونه انتهى.
وهذا حكم مؤسس على الغالب المعتاد جيء به لزجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنى بهن يعني الغالب أن المائل إلى الزنى والتقحب لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب في نكاح فاسقة من شكله أو مشركة والمسافحة لا يرغب في نكاحها الصلحاء وينفرون عنها وإنما يرغب فيها فاسق مثلها أو مشرك فإن المشاكلة سبب الائتلاف والاجتماع كما أن المخالفة سبب الوحشة والافتراق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٤